للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرسول صلى الله عليه وسلم مع أنه مُقرٌّ بنبوَّته باطناً وظاهراً، فكل ما علم القلب بما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فصدَّقه، وما أمر به فالتزمه كان ذلك زيادة في إيمانه على مَن لم يحصل له ذلك، وإن كان معه إقرار عام والتزام. وكذلك مَن عرف أسماء الله تعالى ومعانيها فآمن بها، كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيماناً مجملاً أو عرف بعضها، وكلما ازداد الإنسان معرفة بأسماء الله تعالى، وصفاته كان إيمانه به أكمل.

الثالث: أن العلم والتصديق نفسه، يكون بعضه أقوى من بعض وأثبت وأبعد عن الشك والريب، وهذا أمر يشهده كل أحد من نفسه. كما أن الحس الظاهر بالشيئ الواحد، مثل رؤية الناس للهلال، وإن اشتركوا فيها، فبعضهم تكون رؤيته أتم من بعض، وكذلك سماع الصوت الواحد، وشمّ الرائحة الواحدة، وذوق النوع الواحد من الطعام، فكذلك معرفة القلب وتصديقه، يتفاضل أعظم من ذلك من وجوه متعددة، والمعاني التي يؤمن بها من معاني أسماء الرب وكلامه، يتفاضل الناس في معرفتها، أعظم من تفاضلهم في معرفة غيرها.

الرابع: أن التصديق المستلزم لعمل القلب، أكمل من التصديق الذي لا يستلزم عمله، فالعلم الذي يعمل به صاحبه، أكمل من العلم الذي لا يعمل به. وإذا كان شخصان يعلمان أن الله حق، ورسوله حق، والجنة حق، والنار حق، وهذا علمه أوجب له محبة الله، وخشيته، والرغبة في الجنة، والهرب من النار، والآخر علمه لم يوجب له ذلك فعلم الأول أكمل. فإن قوة المسبب دلّ على قوة السبب، وهذه الأمور نشأت عن العلم، فالعلم بالمحبوب يستلزم طلبه، والعلم بالمخوف يستلزم الهرب منه، فإذا لم يحصل اللازم، دل على ضعف الملزوم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس المُخبَر كالمعاين ". فإن موسى عليه السلام لما أخبره ربه أن قومه عبدوا العجل، لم يُلقِ الألواح فلما رآهم قد عبدوه ألقاها. وليس

<<  <   >  >>