للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآثار الواردة في هذا المعنى عن الصحابة والتابعين وأئمة السلف من بعدهم كثيرة، كلها تنطق بأنهم يُجمعون على رأي واحد هو القول بزيادة الإيمان ونقصه من عدة وجوه ذكرها الإمام ابن تيمية في كتاب الإيمان وهي:

الأول: الإجمال والتفصيل فيما أُمروا به، فإنه وإن وجب على جميع الخلق الإيمان بالله ورسوله، ووجب على كل أمة التزام ما يأمر به رسولهم مجملاً، فمعلوم أنه لا يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله، ولا يجب على كل عبد من الإيمان المفصَّل مما أخبر به الرسول ما يجب على مَن بلغه خبره، فمَن عرف القرآن والسنن ومعانيها لزمه من الإيمان المفصل بذلك ما لا يلزم غيره , ولو آمن الرجل بالله وبالرسول باطناً وظاهراً، ثم مات قبل أن يعرف شرائع الدين مات مؤمناً بما وجب عليه من الإيمان، وليس ما وجب عليه ولا وقع منه مثل إيمان مَن عرف الشرائع فآمن بها وعمل بها. بل إيمان هذا أكمل وجوباً ووقوعاً، فإن ما وجب عليه من الإيمان أكمل، وما وقع منه أكمل.

وقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ١ أي في التشريع بالأمر والنهي، لا أن كل واحد من الأمة وجب عليه ما يجب على سائر الأمة وأنه فعل ذلك، بل الناس متفاضلون في الإيمان أعظم تفاضل.

الثاني: الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم، فمَن طلب علم التفصيل وعمل به، فإيمانه أكمل ممن عرف ما يجب عليه والتزمه وأقرَّ به ولم يعمل بذلك كله. وهذاالمُقرُّ المقصِّر في العمل، إن اعترف بذنبه وكان خائفاً من عقوبة ربه علىترك العمل أكمل إيماناً ممن لم يطلب معرفة ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عمل بذلك، ولا هو خائف أن يُعاقب بل هو في غفلة عن تفصيل ما جاء به


١ المائدة: ٣.

<<  <   >  >>