العمل ". فوصفه بالإرجاء مطلقاً غير لائق ـ إذ أن قوله يختلف عن قول المرجئة ومنهجه مغاير لمنهجهم الإباحي، كما أسلفنا بيان ذلك.
وأما قوله بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فهذا مخالف لما عليه السلف أيضاً من زيادة الإيمان ونقصه، وما ذكر من تأويلات لهذا القول فيها تكلف لا يطاق، فلا يسعنا إلا أن نقول: رحم الله أبا حنيفة وغفر له، فقد قال هنا بما يخالف كتاب الله وسنة رسوله مع جزمنا بأن ذلك كان من غير قصد منه للمخالفة، بل اجتهاده في فهم مدلولات النص أداه إلى هذا. ومعلوم من منهجه ـ رحمه الله ـ كما علمنا من منهج أمثاله من الأئمة، أنه لا يتعصب لرأيه في حال اكتشاف خطئه، فالجميع كما قال الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: " ما منا إلا رادّ ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ـ مشيراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
على أن هناك خبراً ذكره شارح العقيدة الطحاوية فيه ما يدل على رجوع أبي حنيفة عن رأيه في الإيمان إلى رأي السلف ـ رحمهم الله ـ حيث قال: وقد حكى الطحاوي حكاية عن أبي حنيفة مع حماد بن زيد، وأن حماد بن زيد لما روى له حديث: أيّ الإسلام أفضل ... الخ. قال له: " ألا تراه يقول: أي الإسلام أفضل "، قال: " الإيمان، ثم جعل الهجرة والجهاد من الإيمان؟ " فسكت أبو حنيفة، فقال بعض أصحابه: " ألا تجيبه يا أبا حنيفة؟ " قال: " بما أجيبه وهو يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".