والاستدلال فيها مدخل، وقد قال إبراهيم عليه السلام حين رأى الكوكب هذا ربّي ثم تبيّن فساد هذا القول لما رأى القمر أكبر جرماً، وأبهر نوراً فلما رأى الشمس وهي أعلا في منظر العين، وأجلى للبصر، وأكثرها ضياء وشعاعاً، قال: هذا ربّي، هذا أكبر، فلما رأى أفولها وزوالها وتبيّن له كونها محل الحوادث والتغييرات، تبرأ منها كلّها، وانقطع عنها إلى ربّ هو خالقها ومنشئها، لا تعترضه الآفات ولا تحلّه الأعراض والتغييرات١.
ففي هذا الدليل موافقة من البيهقي للمتكلمين في طريقتهم التي سلكوها في الاستدلال على وجود الله تعالى، وهي الاستدلال بحدوث العالم. وهذا في حدّ ذاته استدلال صحيح، غير أن الأمر الذي هو محل النقد في هذا الدليل هو طريقتهم في إثبات العالم، ومن ثم زعمهم أن طريقتهم تلك هي طريق إبراهيم الخليل عليه السلام.
ولنبدأ أولاً بإيضاح موافقة البيهقي لهم في هذا المجال فالمتكلمون ذهبوا إلى أن الله تعالى لا يمكن أن يكون محلاً للحوادث لأن من كان محلاً للحوادث، فإنه لا بد أن يكون حادثاً، لأن الحوادث لا تحت إلاّ بحادث مثلها لوجوب أن يكون لها أوّل - في نظرهم - وهذا هو مذهب البيهقي الواضح من كلامه السابق.
والتغيرات الحاصلة في هذا العام من وجود، وعدم، وتحول من حال إلى حال سكون بعد حركة، أو حركة بعد سكون، وغير ذلك عبارة عن أعراض حلّت بجواهر هذا العالم، والأعراض حادثة بعضها بالمشاهدة