ومن الأمور التي كابر بها المتكلمون الحس والعقل في بدعتهم هذه، هو جعلهم الطريق إلى معرفة حدوث الأجسام حدوث أعراضها ونحن نشهد حدوث الأجسام نفسها مثل حدوث الزرع، والثمار وحدوث الإنسان، والحيوان وحدوث السحاب، والمطر، ونحو ذلك من الأعيان القائمة بنفسها، غير حدوث الأعراض، كالحركة والسكون، والحرارة والبرودة، والضوء، والظلمة وغير ذلك. فلسنا في حاجة لمعرفة حدوث الجسم إلى واسطة.
أما زعمهم أن هذه الطريقة هي طريقة إبراهيم عليه السلام فيما حكاه الله عز وجل عنه بقوله سبحانه:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} ١.
فإن هذا زعم باطل للأمور الآتية:
١ - إن الأفول ليس هو الحركة، وذلك باتفاق أهل اللغة والمفسرين فلا يسمى في اللغة كلّ متحرك أو متغير آفلاً ولا يقال للمتحرك إنه آفل، فلا يقال للمصلي، أو الماشي إنه آفل، ولا يقال للتغير الذي هو استحالة كالمرض واصفرار الشمس، إنه أفول، فلا يقال للشمس إذا اصفرت إنها أفلت، وإنما يقال:"أفلت إذا غابت، واحتجبت، وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب، أن آفلاً بمعنى غائب".
قال في القاموس: "يقال أفلت الشمس، غابت، ونجوم أفل، وكلّ شيء غاب فهو آفل، قال: