للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قيل: لأنه لولم يكن كذلك لكان موصوفاً بأضدادها من موت أو عجز أو آفة، ولو كان كذلك لاستحال أن يقع منه فعل، وفي صحة الفعل منه دليل على أنه لم يزل كذلك ولا يزال كذلك ١.

أي: إنه سبحانه لولم يكن متصفاً بهذه الصفات في الأزل، لكان متصفاً بأضدادها، لاستحالة خلوه من الصفة وضدها، ووقوع الفعل منه سبحانه على هذا الوجه الذي نرى دليل على اتصافه بها. وهذا هو بعينه دليل ثبوتها الذي سبق أن ذكرت عنه، فهي إذن ثابتة له في الأزل.

والقول باتصافه سبحانه بها الأزل محل الاتفاق بين البيهقي ومن وافقه، وبين السلف. فهي عنده قديمة، ولا يجوز أن يوصف شيء منها بالحدوث، بحجة أننا إذا جوزنا حدوث شيء منها فقد جوزنا حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، والحوادث لا تحل إلاّ بحادث مثلها.

وقبل أن أشرع في إيضاح الآراء في مسألة حلول الحوادث بذات الله تعالى، ووجه الحقّ فيها، أحبّ أن أبيّن أن ما قاله البيهقي والأشاعرة عن قدم الصفات هو ما ارتضاه متأخرو الماتوريدية في جميع الصفات، الذاتية منها والفعلية٢.

حلول الحوادث بذات الله تعالى:

أما عن هذه القضية فإن البيهقي ومن وافقه في القول بقدم الصفات وعدم جواز حدوث شيء منها، يرون أن ما نشاهده مما يدل على حدوث هذه الصفات، من المرئيات التي حدثت بعد أن لم تكن والمسموعات التي ظهرت، إلى غير ذلك، يرون أنها من متعلقات الصفات القديمة، وليس في شيء منها دليل على حدوث الصفة.


١ الجامع لشعب الإيمان١/ ل١٧.
٢ انظر: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام للدكتور عليّ سامي النشار١/٢٣٢، والمسايرة لابن الهمام ص: ٣٩، ط. الأولى تعليق محمّد محي الدين عبد الحميد.

<<  <   >  >>