فهناك إذاً رأيان واضحان للبيهقي تجاه ما جاء في اليد:
أحدهما: جعله دليلاً للإثبات لصراحته في ذلك.
والآخر: رآه لا يصلع دليلاً، لأن السياق - في نظره - لا يساعد على ذلك، الأمر الذي به فارق منهج السلف.
والمهم: أن البيهقي أثبت هذه الصفة إثباتاً حقيقياً، وهو بذلك يوافق ما عليه السلف من ذلك الإثبات إلا أنه استدل ببعض أدلتهم لانها جميعاً، إذا اتضح مما سبق تفريقه بين النصوص الواردة في ذلك.
أما السلف فإنهم يستدلون بكل نص من آية أو حديث وردت اليد فيه مضافة إلى الله سبحانه وتعالى، حيث إن الإمام ابن خزيمة - وهو من أعظم أئمتهم - جعل جميع النصوص التي من هذا النوع دليلاً للإثبات سواء منها ما استدل به البيهقي وما صرفه عن المراد.
فقد قال ابن خزيمة - رحمه الله-: "باب ذكر إثبات اليد للخالق جل وعلا، والبيان أن الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تنزيله أنه خلق آدم عليه السلام، ثم ذكر ما استدل به البيهقي من القرآن الكريم، وزاد عليه ما لم يرض به البيهقي دليلاً، كقوله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} وغيرهما من الآيات التي يرى البيهقي خروجها عن المقصد، وعدم دلالتها على المراد.
كما ذكر من السنة عين أدلة البيهقي، وزاد عليها ما أخرجه البيهقي عن الإمام أحمد بن حنبل١.
وتوضيح ابن عبد البرّ لمذهب السلف تعقيباً على عبارتهم تلك يبرز حقيقة مذهبهم وزيف من ادعى من المتكلمين أن مذهبهم التفويض لأن معنى عبارتهم هو ذلك فهذا ادعاء باطل وعبارتهم بمنأى عنه.