للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحديث يمثل نوعاً من أنواع السنة، وهو التقرير لأنه عليه السلام أقرّ كلام اليهودي ورضيه، وإلا لما سكت عليه، بل كان فند قوله وأظهر كذبه فيه في الحال.

وبهذا يبطل المزعم الثالث وهو أن إثبات الأصابع من عقيدة اليهود لا من عقيدة المسلمين، وأي مانع يمنع من أن تتفق اليهودية مع الإسلام في بعض العقائد التي سلمت من التحريف في دينهم إذ إن عقيدة الإسلام واحدة في كشف الشرائع. وإنما الديانات الأخرى اعتراها تحريف وتبديل مس العقائد إلى جانب التشريعات، وإذا كان هذا الإثبات عقيدة لليهود فهو مما سلم من التحريف.

وأما وصف كثير مما ورد عن اليهود بأنه صريح في التشبيه والتشبيه ليس من عقائد المسلمين، فيكفي أن ذلك كثير وذلك لا يشمل القليل الباقي، وهذا الحديث يدلّ على أن اليهود يثبتون هذه الصفة بغض النظر عن أنهم يشبّهونها بصفات خلقه، لأن تشبيه اليهود لصفة من الصفات لا يوجب علينا نفيها باب نثبتها لله على ما يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه أو تأويل أو تعطيل.

وأما ما ورد من نهيه صلى الله عليه وسلم عن تصديق أهل الكتاب أو تكذيبهم فيما قالوا، فإن هذه بالنسبة لأمة الإسلام عامة، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو رسولها لا يأمر أمته بأمر إلا ويكون أوّل العاملين به، ولا ينهاهم عن آخر إلا وهو أوّل من يبادر إلى اجتنابه، إلا أنه يختلف عن أمته، لأنه رسول يوحى إليه فإذا كان ما سمعه من أهل الكتاب حقاً جاءه الوحي بإقراره، وإذا كان باطلاً جاءه بتكذيبه وإبطاله وهنا - أي في مجال العقيدة - لا مجال لعدم التصديق وعدم التكذيب، بل لا بد من واحد منهما، لأن العقيدة واضحة، وهذه القصة وقعت مع سيد البشر وتمس العقيدة في صميميا، فاليهودي صادق فيما قال، وإلا لبادر عليه السلام بالردّ والزجر، وبيان الواضح الصحيح في القضية.

<<  <   >  >>