للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خاصة، أي إن أساس ذلك في المقام الأول إنما هو مصلحة المريض، حيث إنه لو قفل هذا الباب تماماً ربما لا نجد من يتبرع بجزء من دمه لإنقاذ غيره، فالدم وإن كان محرماً شرعاً بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة على نحو ما سبق بيانه غير أن الضرورة الملجئة إلى التداوي به تبيح نقله من شخص إلى آخر إذا توقف شفاء المريض عليه، عملاً بقواعد الشريعة الإسلامية التي تثبت على أساسها الأحكام مثل: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها١، والحاجة تنزل منْزلة الضرورة ٢، والمشقة تجلب التيسير ٣، فلا حرج على المريض ولا على الطبيب ولا على المتبرع نظراً لحالة الضرورة الداعية إلى هذا النقل٤.

وقد تأكد هذا الحكم فضلاً عما سبق بما يأتي:

١-قوله تعالى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} ٥.

حيث دلت هذه الآية الكريمة على فضل التسبب في إحياء النفس المحرمة، ولا شك في أن الأطباء والأشخاص المتبرعين بدمائهم يعتبرون متسببين في إحياء النفس ذلك المريض التي تعتبر مهددة بالموت في حالة تركها بدون إسعافها بذلك الدم ونقله.

٢-كما انه قد ورد النص باستثناء حالات الاضطرار حيث قال سبحانه {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٦. فقد نفت هذه الآية الإثم عمن اضطر إلى المحرم، والمريض مضطر إسعافه بالدم، ومن ثم لا حرج عليه في طلبه وقبوله، ولا حرج على الغير في تبرعه وبذله، وكذلك لا حرج على الأطباء في قيامهم


١ راجع: مجلة الأحكام العدلية مادة ٢٢، الأشباه والنظائر للسيوطي ١ / ١٧٠.
٢ راجع: الأشباه والنظائر للسيوطي ١ / ١٩٠، الأشباه والنظائر لابن نجيم صفحة ٩١.
٣ راجع: الأشباه والنظائر للسيوطي ١ / ١٥٧، الأشباه والنظائر لابن نجيم صفحة ٧٤.
٤ أحكام الجراحة الطبية للدكتور محمد بن محمد المختار صفحة ٥٨٠.
٥ سورة المائدة: الآية ٣٢.
٦ سورة البقرة الآية ١٧٣.

<<  <   >  >>