للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس مما يضرهم، فلولا إمكان صول الضرر بالناس عند الكسوفين ما كان ذلك تخويفاً١ كما قال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} ٢، لهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند حدوث أحد الكسوفين بالفزع إلى ذكر الله والصلاة والدعاء والصدقة وغيرها من الطاعات، لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسوف الذي جعله الله سبباً لما جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات٣.

فمن هذا يتبين أن الكسوفين قد يكونان سبباً لحلول عذاب أو نزول بلاء بالناس، ويقتصر أثر الكسوف على هذا لدلالة النصوص عليه، ولا ينبغي أن يتعدى إلى غير هذا الأثر، إذ إن الحديث ورد في إبطال ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الحوادث الأرضية.

قال الخطابي رحمه الله: (كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغير في الأرض من موت أو ضرر، فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتقاد باطل، وأن الشمس والقمر خلقان مسخران لله، ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما) ٤.

ولا تعارض من كون الكسوف والخسوف آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، ويبين أن يكون لهما وقت محدد يعرف بالحساب، لأمرين:

الأمر الأول: أن الأحاديث الماضية ليس فيها إلا نفي تأثير الكسوف في الموت والحياة على أحد القولين، أو نفي تأثير النيرين بموت أحد أو


١ "مجموعة الفتاوى المصرية": (١/٣٢٢) .
٢ سورة الإسراء، الآية: ٥٩.
٣ "مفتاح دار السعادة": (٢/٢٠٩-٢١٠) .
٤ "أعلام الحديث" للخطابي: (١/٦١٠) .

<<  <   >  >>