للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإما معطوفة على قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب، مما يدل على أن هذه القصة لم تقع إلا بعد أن عرف ربه وكان من الموقنين الصادقين١.

الوجه الثاني: أن في قوله: {يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} ٢ دلالة على أنه كان بين قومه عند مقالته هذه، ومعلوم أنه عندما خرج من السرب –كما زعموا- لم يكن معه قومه، ودعوى أنه كان معه أبوه وأمه فخاطبهم بهذا الخطاب دعوى باطلة متكلفة، مع عدم استقامتها.

ودعوى أن هذا القول صدر منه بعد –أي: بعد بعثته –دعوى متكلفة أيضاً يردها ظاهر الآية، قال تعالى: {فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} ٣، فالآية دلت على أنه قال هذا القول عقب أفول الشمس.

الوجه الثالث: قوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} ٤، وقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ٥.

فقد أخبر الله في هذه الآيات أن المقام مقام مناظرة ومجادلة بينه


١ انظر: "أضواء البيان": (٢/٢٠١) .
٢ سورة الأنعام، الآية: ٧٨.
٣ سورة الأنعام، الآية: ٧٨.
٤ سورة الأنعام، الآية: ٨٠.
٥ سورة الأنعام، الآية: ٨٣.

<<  <   >  >>