من هذا ما رواه عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال: فما سمعته بشيءٍ قط قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلما كان ذات عشية قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فنكس، قال: فنظرت إليه، فهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك"(١)
ولم ينهج الصحابة هذا السبيل لقلة ما لديهم من الحديث، بل فعلوا ذلك كله حرصاً على السنة وصيانة لها، واحتياطاً للدين ورعاية لمصلحة المسلمين، لا زهداً في الحديث النبوي ولا تعطيلاً له.
وقد ثبت عن الصحابة جميعاً تمسكهم بالحديث الشريف واجلالهم إياه، وأخذهم به، وقد تواتر خبر اجتهاد الصحابة إذا وقعت لهم حادثة شرعية من حلال أو حرام، وفزعهم إلى كتاب الله تعالى، فان وجدوا فيه ما يريدون تمكسوا به، وأجروا (حكم الحادثة) على مقتضاه، وإن لم يجدوا ما يطلبون فزعوا إلى (السنة) ، فإن روي لهم خبر أخذوا به ونزلوا على حكمه، وإن لم يجدوا الخبر فزعوا إلى الاجتهاد بالرأي.
وطريقة أبي بكر وعمر في الحكم مشهورة: كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله تعالى نظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن
(١) أخرجه ابن ماجه ١/١٠، المقدمة، باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ح ٢٣ وقال المحقق وفي الزوائد: إسناده صحيح، احتج الشيخان بجميع رواته.