للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أمامك.. فقال القاضي: اصرفوا هذه الجموع، ثم نحضرهما ونستمع إلى مجادلتكم معهما.. ولكن أحدا لم ينصرف، بل تكاثروا على القاضي، وقالوا له: ماذا تقول أنت في هذه الفتوى؟ فقال: هي باطلة ١.. فطلبوا منه أن يكتب حجة بذلك. فلما رأى القاضي أن الأمر جد، وأنهم لا يريدون أن يتركوه، أراد أن يعمل فيهم الحيلة للواعظ ومن معه.. "فقال: إن الوقت قد ضاق، والشهود قد خرجوا ٢. فلنترك ذلك إلى الغد. "فلما سمعوا ذلك من ترجمان القاضي - لأن القاضي تركي ولا يعرف العربية - لما سمعوا من الترجمان هذا الكلام، ضربوه واختفى القاضي ومعه حريمه!! وهل انتهى الأمر عند ذلك؟ كلا، فإن الرواية لم تتم فصولا. ويمضي الجبرتي في إتمام هذه الرواية، أو المهزلة التي يمثلها علماء الدين وقاضي الشريعة التركي، والوالي العثماني. حيث يستدعي الواعظ إلى مجلس الوالي وقد قيل له: إن الوالي يريد أن تجتمع عنده مع هؤلاء العلماء الذين تتهمهم فيما أفتوا به. وهناك في دار الوالي، كان الكيد العظيم لهذا الواعظ حيث تخطفه الجند وألقوا به إلى حيث لا يعلم إلا الله، وبهذا اختفى الواعظ إلى يوم الناس هذا.

- ٥ -

هذه الحادثة لها دلالتها الواضحة على ما كان عليه المجتمع الإسلامي يومئذ من عامة وعلماء، من إغراق في الشرك والجهل، لم يستطع هذا البصيص من النور أن يصل إلا إلى بعض العامة الذين استقبلوه بفطرتهم السليمة، فأبصروا الحق، وأخذوا طريقهم معه، ومع الداعية إليه.


١ إن هذا القاضي ما قال ذلك إلا خوفا من العامة وهجومهم عليه.
٢ هؤلاء شهود من المرتزقة, كانوا يلزمون مجلس القاضي, ويستشهدون من كل طالب شهادة لقاء أجر معلوم..

<<  <   >  >>