للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولو أن هذا الصوت المؤذن بالحق الذي انطلق من فم هذا الواعظ استمع إليه العلماء واستيقظوا من سباتهم، لكان لهذا الصوت آثاره البعيدة في إجلاء هذا الظلام الشركي عن أهل مصر وعن غيرها من أوطان الإسلام.. ولكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقد كان.. فما هي إلا سنوات معدودة بعد هذا الحادث، أو تلك المأساة حتى يلتقي صوت هذا الواعظ - على غير موعد - بصوت الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، وفي الجزيرة العربية مطلع الرسالة الإسلامية، فيهز العالم الإسلامي كله ويزلزل قواعد الشرك، حيث يأخذ بيد دعاة الحق المتخافتين بدعوة الحق، وبحيث كانوا لا يسمعون إلا أنفسهم، أو القليل من إخوانهم، وإذا هم يجتمعون إلى هذا الداعية من قريب ومن بعيد، وإذا هم يجهرون بكلمة الحق مجاهدين في سبيل الله، مسترخصين نفوسهم في مواقع الجهاد. وإذا العلماء الذين كانوا يكتمون الحق، ويخشون بأس الحكام يؤدون أمانة العلم التي حملوها، كما يقول الحق سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} ١. ذلك أنه ما كاد صوت الإمام محمد بن عبد الوهاب يتردد في آفاق الإسلام، محملا بدعوة التوحيد فاضحا وجوه الشرك وضلالات المشركين، حتى اهتزت له أقطار الأرض أشبه بالصيب ينزل من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق. فكان من الناس من أمسك بهذا الصيب، فشرب منه هو وأنعامه، واستنبت الزرع والعشب، طعاما له ولأنعامه.. وكان من الناس من أحرق بصواعق البرق، ومن طاش لبه بصوت الرعد. وهكذا كل دعوة يتقرر فيها مصير الإنسان في دنياه وآخرته. فإن مثل هذه الدعوة تحمل الصيب، ومعه الظلمات والرعد والبرق.


١ سورة آل عمران آية: ١٨٧.

<<  <   >  >>