وكذلك كلمات الأنبياء والمرسلين والهداة والمصلحين من عباد الله، فإن كلماتهم قبس من أقباس نور كلمات الله، وقطف من قطوفها الطيبة المباركة؛ إذ يجد فيها الناس زاد أرواحهم، وري نفوسهم، حيث تذكرهم بالله تعالى، وتدنيهم من رحمته ورضوانه. ومن هذا المورد الرباني الكريم كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ميراثا مباركا من بعده، لمن شرح الله صدورهم للإيمان، وهيأهم ليكونوا دعاة خير للمسلمين، تلك الحركة الإصلاحية التي تلاقى عليها قادة الإصلاح في أوطان الإسلام جميعا في وقت واحد كأنما كانوا فيه على موعد. وقبل أن نتحدث عن هذه الدعوات الإصلاحية التي قامت في المجتمع الإسلامي متأثرة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، نود أن نرد على شبهة ربما أثارها في الماضي، أو قد يثيرها في المستقبل أولئك الذين من شأنهم أن يبخسوا الناس أشياءهم وأن يحسدوهم على ما أتاهم الله من فضله، حيث يقول قائلهم عن دعوات الإصلاح هذه التي قامت متأثرة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: إن ظهور هذه الدعوات الإصلاحية حيث ظهرت كان من مقتضيات الظروف والأحوال التي أحاطت بالأمة الإسلامية والتي اقتضت ظهور المصلح الشيخ ابن عبد الوهاب، حيث كان الداء مستشريا في العالم الإسلامي كله، وأنه حين يستشري الداء ويعم البلاء لا تعدم الحياة من يقومون لمواجهة هذا الداء وكشف هذا البلاء تماما كما يقوم الجسد بإعلان الحرب على جراثيم المرض التي تهجم عليه، فيلقاها ببعض الدم المتدفق في عروقه، محاولا أن يهلكها قبل أن تسري في البدن وتسكن فيه. وعلى هذا يقولون - أي المعترضون - إنه من التحكم أن تنسب حركات الإصلاح التي ظهرت في أعقاب الدعوة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى هذه الدعوة وأن يرمى العالم الإسلامي كله بالعقم، على كثرة رجاله واتساع رقعته التي تمثل شطرا كبيرا في هذا العالم.