للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونحن لا نستطيع أن ننكر على الحياة سننها القائمة فيها، ولا أن ننكر أن تقوم في المجتمع الإسلامي حركات إصلاحية رائدة في كل زمن، وفي كل أفق من آفاق الإسلام وقد ذكرنا من قبل كيف كانت ثورة الواعظ التركي على البدع والخرافات التي كانت تزحم وجه الحياة في مصر، وأن هذا الواعظ كان قبيل ظهور دعوة التوحيد التي قام بها ابن عبد الوهاب بأكثر من ربع قرن، فهل يمكن مع هذا أن يقال إن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قامت متأثرة بدعوة هذا الواعظ التركي؟ ونقول: إنه قد لا يكون من المستبعد أن يتأثر الشيخ ابن عبد الوهاب بحركة الواعظ التركي، لو أن هذه الحركة امتد صداها إلى خارج المحيط الضيق الذي ظهرت فيه، ولكن هذه الحركة لم يقدر لها هذا حيث فتح الشر لها فمه، وابتلعها وهي في مهدها، ولولا أن الجبرتي كان شاهدا من شهودها وسجلها في يومياته التي ختم عليها كتابه، لما عرف أحد عنها شيئا ١.ولكنا مع هذا نقول: إن الحركات الإصلاحية لا تقوم إلا متأثرة بحركات الإصلاح التي سبقتها من دعوات الرسل والأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ومواقفهم الخالدة على الزمن في مواجهة الشرك، والكفر، والإلحاد.. ثم في مواقف أتباعهم المؤمنين من الدعوة إلى الله، وإصلاح ما غير الناس من شريعة. ولا شك أن الإمام محمد بن عبد الوهاب، بعد أن عرف الحق من دين الله، كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ورأى ما كان عليه الناس من مفارقة بعيدة لدين الله الحنيف، وما أدخلوه على هذا الدين من بدع وخرافات - لم يطق صبرا على تلك الحال، ولم ير بدا من ثورة على هذا الضلال الذي كان يغزو عقول المسلمين وقلوبهم.. وكان في ثورته تلك ناظرا إلى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى موقف صحابته، وما أبلوا من جهاد في سبيل الله. ثم إذ تأسى بهذا كله، كان له أسوة في جهاد أهل الحق في الأزمنة المتأخرة، مثل الإمام أحمد وما امتحن به في فتنة القول بخلق


١ تاريخ الجبرتي لم ينشر إلا بعد موته بزمن طويل خوفا مما كان فيه من نقد صريح للحكام.

<<  <   >  >>