للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

القرآن، ومثل ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ومثل العز بن عبد السلام، وغيرهم من هؤلاء الأعلام الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وكانوا مصابيح هدى في غواشي الظلام التي كانت تتداعى على الإسلام والمسلمين من داخل أوطانهم وخارجها. فإذا قلنا بعد هذا: إن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، كانت مبعثا لدعوات إصلاحية من بعده، شملت الأمة الإسلامية كلها، كان هذا القول حقا؛ إذ كانت تلك الدعوة يقظة هزت العالم الإسلامي كله من جميع أقطاره، وشارك فيها المسلمون جميعا من مؤيدين ومعارضين، ومن لم يشارك فيها بسيفه شارك فيها بلسانه وقلمه. والجدير بالذكر هنا أن تلك الدعوات الإصلاحية التي قام بها المصلحون في شتى أقطار الإسلام والتي كانت متأثرة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد كانت كلها متقاربة الميلاد، وهذا يعني أنها كانت متأثرة بعامل قوي واحد، هو الذي دعا إليها وحرك دعاتها.. وهو دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب رضي الله عنه.

- ٩ -

فالحركة السنوسية، التي قام بها الشيخ محمد إدريس السنوسي في شمال أفريقية كانت حركة دينية سبيلها الحكمة والموعظة الحسنة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولا تتجاوز حد التبليغ، فمن قبل الدعوة فلنفسه، ومن لم يقبل فشأنه وما اختار. وقد رأى الشيخ السنوسي بنفسه كيف كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وما حمل هو وأنصاره وأتباعه من أعباء ثقال واشتباك مرير في حروب طويلة دامية لم يكن له أن يخوض غمارها، فسلك مسلكا أشبه بمسلك شيوخ الصوفية، وأطلق على دعوته الطريقة السنوسية، وأنه ما فعل هذا إلا ليبعد الشبه عنه، حتى لا يثير أصحاب السلطان فيقطعوا الطريق عليه.. وإلا فما كان الشيخ السنوسي صاحب طريقة صوفية وإن أطلق على دعوته اسم الطريقة؛ إذ ليس في طريقته ما في الطرق الصوفية من بدع وما فيها من

<<  <   >  >>