تحت حكم هذا الفرعون، وإن اختلفت حظوظهم من تلك المحن الواقعة بهم.. فهم جميعا عند قول الشاعر:
من لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد
وأنه لا يأس من روح الله! ففي زحمة هذه الخواطر السوداء التي كانت تتعاوى في مشاعري كقطيع من ذئاب مسعورة تطلب صيدا، وتتربص بفريسة، رأيت الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يدخل علي في مزدحم هذه الخواطر، من غير معرفة سابقة به، ولا استدعاء له، إذ لم يكن له عندي إلا صورة باهتة من سيرته، عفى عليها النسيان وعلاها كثير من الغبار الذي أثاره في وجه دعوته كثير من أعداء الحق، وطلاب المناصب والجاه من علماء السوء.. نعم، دخل على خواطري في تلك الحال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رضي الله عنه جليسا مؤنسا، وإذا كل هذه الخواطر السوداء تتبدد، وتفر هاربة، وإذا الشيخ -رضوان الله عليه- يملأ فراغ نفسي، ويأخذ مكانا متمكنا من قلبي، وإذا برد السكينة والأمن يثلج صدري المهموم المحموم!! وأسأل نفسي: ما لهذا الشيخ بي؟ ولم يكن هو الطارق لباب وحدتي وهمومي، إن في الأمر سرا، لا بد أن تكشف عنه الأيام. ثم لقد غلبني النوم، فنمت بعد ليال لم أذق فيها للنوم طعما، وهل ينام من تعضه الكلاب وتنهشه الحيات، وتصك أذنيه صرخات المعذبين، وأنين الجرحى؟ وكان مساء، وكان صباح!! وما كدت استيقظ صباح ليلتي تلك، حتى وجدتني أعود إلى ترديد هذا السؤال ما لهذا الشيخ بي؟ وما شأنه معي؟ ومن لي في هذا السجن المطبق علي بأن أجد كتابا أو كتبا لأعرف شيئا أكثر وأصدق عن هذا الشيخ الذي لم أكن أعرف عنه إلا أخلاطا من الآراء المتضاربة المتناقضة، التي لم أقف عندها، ولم أعمل على تحقيقها وتمحيصها؟