وهكذا عشت فترة اعتقالي في السجن الحربي، وأنا مشغول بهذا الشيخ الذي لم تكد تفارقني أنفاسه ليلة واحدة خلال تلك الفترة. ثم خرجت من هذا السجن أو القبر إلى عالم متجهم لي، أنكرني فيه القريب وتجافاني الصديق؛ خوفا من أن تلحظه عين من تلك العيون المسلطة علي، تتبع خطواتي، وتتسمع همسي، وتختطف كل من تحدثه نفسه ببسمة للقائي، أو بهمسة عزاء في أذني. ومن أول يوم من خروجي إلى عالم ما وراء السجن الحربي، وأنا في لهفة إلى لقاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب فيما كتب الكاتبون عن دعوته من أولياء وأعداء. وكان من هذا أن أخرجت للناس أول كتاب من سلسلة مؤلفاتي التي جاوزت الستين مؤلفا إلى يومي هذا.. وكان هذا الكتاب، أو الكتيب تحت عنوان: الدعوة الوهابية ١ محمد بن عبد الوهاب، العقل الحر، والقلب السليم. وكان هذا الكتاب فاتحة خير لي، وبركة علي، إذ فتح الله علي بعده بهذه المؤلفات العديدة، التي كانت ذكرى الشيخ تلازمني دائما أثناء إعدادها. وقد نشر هذا الكتيب عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رجب سنة ١٣٧٩ هـ، الموافق يناير سنة ١٩٦٠ م أي بعد أربعة أشهر من خروجي من السجن! فرحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة واسعة، وأجزى له المثوبة، بما هدى من ضلال، وما أزال من شبهات، وكشف من ظلمات، وبما مهد من طرق لدعاة الخير ومريدي الإصلاح.
١ نسبة الدعوة إلى الوهابية نسبة خطأ. لم أنتبه إليها في حينه, فما هي إلا دعوة إسلامية, مجددة لما اندثر أو كاد من معالم الإسلام, بما دخل عليه من بدع ومنكرات, لبس بها المسلمون أثواب الشرك.