ولكن الفضيلة الصادقة التي يتميز بها الحق هي: أنه يمكن إخماده مرة ومرة ومرات، غير أنه لا بد على الزمن من أن يظهر أناس يعاودون اكتشاف الحق، المرة بعد الأخرى، حتى يوافق ظهوره في إحدى المرات ظروفا ملائمة، فينفلت من الاضطهاد، ويجمع من الأنصار ما يمكنه من التغلب على الباطل، وإجلائه من المواقع التي احتلها". والظروف الملائمة للحق، التي يشير إليها هذا الفيلسوف، والتي تمكن لانتصار الحق، ودحر الباطل، إنما تكون بظهور رجال أشرقت في قلوبهم أنوار الحق، فأبوا أن يروا الباطل يحوم حوله بظلامه، لأن الباطل كريه الريح، يخنق بريحه الخبيثة صدور أهل الصحة والسلامة، فلا يجمعهم وإياه مكان، بل يعملون جاهدين على طرده والقضاء عليه ولو ذهبت في سبيل ذلك أرواحهم.
- ٦ - والرسل والأنبياء، عليهم السلام -كما أشرنا من قبل- هم القائمون بدعوتهم السماوية المنزلة بالحق، في وجه الباطل، والآخذون عليه السبيل أن يتسلط على الناس، ويفسد حياتهم. ومن وراء الرسل والأنبياء، عليهم السلام، أتباع الرسل والأنبياء الذين يقومون بما دعوا إليه من حق، وما حذروا منه من باطل، فيجاهدون بألسنتهم وبأيديهم وبأموالهم، دفاعا عن الحق، ودفعا للباطل أن يحوم حول حماه. وفي ميدان هذا الجهاد المبرور، يتوارد المصلحون ودعاة الحق على مواقع الجهاد، مسترخصين النفوس والأموال والأهل والأوطان، محققين بذلك ما عقدوه مع الله تعالى في قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ