وفي هذا البيت المتصل بالعلم، الناشر لألويته في ربوع نجد، ولد محمد بن عبد الوهاب، ونشأ يتلقى العلم عن أبيه حيث ظهر نبوغه، وأشرقت بصيرته، فنفذ بهذه البصيرة إلى مواقع الحق من دين الله، وأخذ يرى تلك المفارقات البعيدة بين ما في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف الأمة، من دين خالص لله ووحدانية مطلقة لله، وبين ما كان يرى من قومه من شرك بالله يتمثل في تعظيم المقبورين، والتمسح بجدران القباب، والأضرحة المقامة على أولئك الأموات والتعبد للأحجار والأشجار، وتقديم القربان لها، وطلب العون منها، والتماس قضاء الحاجات عندها. ولقد كانت أكثر هذه المعتقدات الشركية، وافدة على نجد وعلى غير نجد في الجزيرة العربية، وفي كثير من أقطار الإسلام -وافدة من بلاد العجم الداخلة في الإسلام بموروثاتها الفاسدة التي لم تستطع أن تتخلص منها، فاختلطت تلك الموروثات بالتوحيد حتى حجبته بضبابها عن كثير من العيون، وأخلته من كثير من القلوب.. وأصبحت تلك المشاهد المنصوبة على أسماء لآل البيت -رضوان الله عليهم- في مشهد، وفي قم، وفي مصر، وفي غيرها- مزاراً وحجاً لكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام وكأنها صورة من تلك الأصنام التي نصبها مشركو الجاهلية في داخل الكعبة وخارجها حتى كان يوم فتح مكة، حيث طهر الرسول صلى الله عليه وسلم بيت الله من هذا الرجس؛ إذ جعل ينخس هذه الأصنام بمخصرته، وهو يتلو قوله تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ١ فتنقلب على وجوهها غارقة في التراب.
-٣-
ولقد ثارت نفس الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وامتلأ صدره حسرة وألماً؛ لما رأى ما عليه أكثر المسلمين من حوله، وهم غارقون في هذا الضلال، وليس في قلوبهم، ولا على