للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله تعالى في كتابه، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يدعون الله، ويدعون غيره في الرخاء.. وأما في الضر والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون آلهتهم - من فهم هذا تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين.. ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخا؟ والله المستعان. والأمر الثاني: أن الأولين -أي مشركي الجاهلية- يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله، إما نبيا أو وليا، وإما ملائكة، ويدعون أحجارا وأشجارا مطيعة لله ليست عاصية ١."وأهل زماننا يدعون مع الله -أناسا أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور، من الزنا والسرقة وترك الصلاة، وغير ذلك ٢."والذي يعتقد في الصالح، والذي لا يعصي مثل الملائكة والخشب والحجر وهو ما كان عليه مشركو الجاهلية، أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد بنفسه فسقه وفساده ويشهد به! ثم يمضي الشيخ رضي الله عنه قائلا: "إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولا، وأخف شركا من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء -أي مشركي زماننا- شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها:


١ لأنها خاضعة لسنن الله الكونية, لا تخرج عن طبيعتها التي خلقها الله تعالى عليها.
٢ في كتاب "الطبقات" للشعراني كثير ممن درجهم في سلك الأولياء من يحكى عنهم الزنا, والشرب للخمر, والسرقة وغير ذلك من الكبائر على اعتبار أنهم من الواصلين الذين رفع عنهم التكليف, وأنه لا حرج عليهم فيما يفعلون.

<<  <   >  >>