وَحُكِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ بَاعَ دَارًا بِثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقِيلَ لَهُ: اتَّخَذَ لِوَلَدِك مِنْ هَذَا الْمَالِ ذُخْرًا. فَقَالَ: أَنَا أَجْعَلُ هَذَا الْمَالَ ذُخْرًا لِي عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَجْعَلُ اللَّهَ ذُخْرًا لِوَلَدِي، وَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَعُوتِبَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ أَكَانَ يُبْقِي فِي الْأُولَى شَيْئًا، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَبِي حَازِمٍ: مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ، وَعَمَّرْتُمْ دُنْيَاكُمْ، فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَنْتَقِلُوا مِنْ الْعُمْرَانِ إلَى الْخَرَابِ. وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: تَرَكَ زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: لَكِنَّهَا لَا تَتْرُكُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً إلَّا وَعَلَيْهِ فِيهَا تَبِعَةٌ إلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: ٣٩] . وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنْ عُوفِينَا مِنْ شَرِّ مَا أُعْطِينَا لَمْ يَضُرَّنَا فَقْدُ مَا زُوِيَ عَنَّا.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: قَدِّمُوا كُلًّا لِيَكُونَ لَكُمْ، وَلَا تُخَلِّفُوا كُلًّا فَيَكُونَ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: نِعْمَ الْقَوْمُ السُّؤَالُ يَدُقُّونَ أَبْوَابَكُمْ يَقُولُونَ أَتُوَجِّهُونَ لِلْآخِرَةِ شَيْئًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: مَرَّ بِي صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ فَمَا تَمَالَكْتُ أَنْ نَهَضْتُ إلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا الصَّهْبَاءِ، اُدْعُ لِي. فَقَالَ: رَغَّبَك اللَّهُ فِيمَا يَبْقَى، وَزَهَّدَك فِيمَا يَفْنَى، وَوَهَبَ لَك الْيَقِينَ الَّذِي لَا تَسْكُنُ النَّفْسُ إلَّا إلَيْهِ، وَلَا يُعَوَّلُ فِي الدِّينِ إلَّا عَلَيْهِ. وَلَمَّا ثَقُلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ رَأَى غَسَّالًا يَلْوِي بِيَدِهِ ثَوْبًا فَقَالَ: وَدِدْت أَنِّي كُنْت غَسَّالًا لَا أَعِيشُ إلَّا بِمَا أَكْتَسِبُهُ يَوْمًا فَيَوْمًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَازِمٍ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا نَتَمَنَّى نَحْنُ عِنْدَهُ مَا هُمْ فِيهِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي. وَهَلْ لَك يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِك إلَّا مَا أَكَلْت فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ» . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ صَفْوَانَ: بِتُّ لَيْلَتِي أَتَمَنَّى فَكَسَبْتُ الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ وَالذَّهَبَ الْأَحْمَرَ، فَإِذَا يَكْفِينِي مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute