ذَلِكَ رَغِيفَانِ وَكُوزَانِ وَطِمْرَانِ.
وَقَالَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ: يَا ابْنَ آدَمَ تُؤْتَى كُلَّ يَوْمٍ بِرِزْقِك وَأَنْتَ تَحْزَنُ، وَيَنْقُصُ عُمُرُك وَأَنْتَ لَا تَحْزَنُ، تَطْلُبُ مَا يُطْغِيك وَعِنْدَك مَا يَكْفِيك. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: إنَّمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُلُوكِ يَوْمٌ وَاحِدٌ. أَمَّا أَمْسِ فَقَدْ مَضَى فَلَا يَجِدُونَ لَذَّتَهُ. وَإِنَّا وَهُمْ مِنْ غَدٍ عَلَى وَجَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: تَعَزَّ عَنْ الشَّيْءِ إذَا مُنِعْته لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُك إذَا أُعْطِيتَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ تَرَكَ نَصِيبَهُ مِنْ الدُّنْيَا اسْتَوْفَى حَظَّهُ مِنْ الْآخِرَةِ. وَقَالَ آخَرُ: تَرْكُ التَّلَبُّسِ بِالدُّنْيَا قَبْلَ التَّشَبُّثِ بِهَا أَهْوَنُ مِنْ رَفْضِهَا بَعْدَ مُلَابَسَتَهَا. وَقَالَ آخَرُ: لِيَكُنْ طَلَبُك لِلدُّنْيَا اضْطِرَارًا، وَتَذَكُّرُك فِي الْأُمُورِ اعْتِبَارًا، وَسَعْيُك لِمَعَادِك ابْتِدَارًا.
وَقَالَ آخَرُ: الزَّاهِدُ لَا يَطْلُبُ الْمَفْقُودَ حَتَّى يَفْقِدَ الْمَوْجُودَ. وَقَالَ آخَرُ: مَنْ آمَنَ بِالْآخِرَةِ لَمْ يَحْرِصْ عَلَى الدُّنْيَا، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْمُجَازَاةِ لَمْ يُؤْثِرْ عَلَى الْحُسْنَى. وَقَالَ آخَرُ: مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ. وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
أَرَى الدُّنْيَا لِمَنْ هِيَ فِي يَدَيْهِ ... عَذَابًا كُلَّمَا كَثُرَتْ لَدَيْهِ
تُهِينُ الْمُكْرِمِينَ لَهَا بِصِغَرٍ ... وَتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ
إذَا اسْتَغْنَيْت عَنْ شَيْءٍ فَدَعْهُ ... وَخُذْ مَا أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ
وَحَكَى الْأَصْمَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: دَخَلْت عَلَى الرَّشِيدِ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ - يَوْمًا وَهُوَ يَنْظُرُ فِي كِتَابٍ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدِّهِ. فَلَمَّا أَبْصَرَنِي قَالَ: أَرَأَيْت مَا كَانَ مِنِّي؟ قُلْت: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: أَمَّا إنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَمْرِ الدُّنْيَا مَا كَانَ هَذَا. ثُمَّ رَمَى إلَيَّ بِالْقِرْطَاسِ فَإِذَا فِيهِ شِعْرُ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
هَلْ أَنْتَ مُعْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ ... مِنْهُ غَدَاةَ قَضَى دَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ أَذَلَّ الدَّهْرُ مَصْرَعَهُ ... فَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ عَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أَسِرَّتُهُ ... وَتَعَطَّلَتْ مِنْهُ مَنَابِرُهُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ عِزُّهُمْ ... صَارُوا مَصِيرًا أَنْتَ صَائِرُهُ
يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا لِلَذَّتِهِ ... وَالْمُسْتَعِدُّ لِمَنْ يُفَاخِرُهُ