وَالثَّالِثُ: عِمَارَةُ الْبُلْدَانِ بِاعْتِمَادِ مَصَالِحِهَا، وَتَهْذِيبِ سُبُلِهَا وَمَسَالِكِهَا. وَالرَّابِعُ: تَقْدِيرُ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ الْأَمْوَالِ بِسُنَنِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ فِي أَخْذِهَا وَإِعْطَائِهَا. وَالْخَامِسُ: مُعَانَاةُ الْمَظَالِمِ وَالْأَحْكَامِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا وَاعْتِمَادِ النَّصَفَةِ فِي فَصْلِهَا.
وَالسَّادِسُ: إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ فِيهَا، وَلَا تَقْصِيرٍ عَنْهَا.
وَالسَّابِعُ: اخْتِيَارُ خُلَفَائِهِ فِي الْأُمُورِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِفَايَةِ فِيهَا، وَالْأَمَانَةِ عَلَيْهَا. فَإِذَا فَعَلَ مَنْ أَفْضَى إلَيْهِ سُلْطَانُ الْأُمَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ كَانَ مُؤَدِّيًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ، مُسْتَوْجِبًا لِطَاعَتِهِمْ وَمُنَاصَحَتِهِمْ، مُسْتَحِقًّا لِصِدْقِ مَيْلِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ. وَإِنْ قَصَّرَ عَنْهَا، وَلَمْ يَقُمْ بِحَقِّهَا وَوَاجِبِهَا، كَانَ بِهَا مُؤَاخَذًا ثُمَّ هُوَ مِنْ الرَّعِيَّةِ عَلَى اسْتِبْطَانِ مَعْصِيَةٍ وَمَقْتٍ يَتَرَبَّصُونَ الْفُرَصَ لِإِظْهَارِهِمَا وَيَتَوَقَّعُونَ الدَّوَائِرَ لِإِعْلَانِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: ٦٥] .
وَفِي قَوْله تَعَالَى {عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: ٦٥] تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي هُوَ مِنْ فَوْقِهِمْ أُمَرَاءُ السُّوءِ، وَاَلَّذِي مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ عَبِيدُ السُّوءِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَذَابَ الَّذِي هُوَ مِنْ فَوْقِهِمْ الرَّجْمُ، وَاَلَّذِي مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ الْخَسْفُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَفِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: ٦٥] تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ الْأَهْوَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْفِتَنُ وَالِاخْتِلَاطُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَمِيرٍ عَلَى عَشَرَةٍ إلَّا وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَكُونَ عَمَلُهُ هُوَ الَّذِي يُطْلِقُهُ أَوْ يُوبِقُهُ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَشَرُّ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» .
وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا خَيْرٍ أَحَبَّهُمْ وَأَحَبُّوهُ، وَإِذَا كَانَ ذَا شَرِّ أَبْغَضَهُمْ وَأَبْغَضُوهُ. وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute