- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَحَبَّ عَبْدًا حَبَّبَهُ إلَى خَلْقِهِ، فَاعْرِفْ مَنْزِلَتَك مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِك مِنْ النَّاسِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا لَك عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ مَا لِلَّهِ عِنْدَك. فَكَانَ هَذَا مُوَضِّحًا لِمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا.
وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ خَشْيَةَ اللَّهِ تَبْعَثُ عَلَى طَاعَتِهِ فِي خَلْقِهِ، وَطَاعَتُهُ فِي خَلْقِهِ تَبْعَثُ عَلَى مَحَبَّتِهِ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ مَحَبَّتُهُمْ دَلِيلًا عَلَى خَيْرِهِ وَخَشْيَتِهِ، وَبُغْضُهُمْ دَلِيلًا عَلَى شَرِّهِ وَقِلَّةِ مُرَاقَبَتِهِ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِبَعْضِ خُلَفَائِهِ: أُوصِيك أَنْ تَخْشَى اللَّهَ فِي النَّاسِ، وَلَا تَخْشَى النَّاسَ فِي اللَّهِ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِبَعْضِ جُلَسَائِهِ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فِيمَا تَقَلَّدْت. فَقَالَ لَهُ: لَسْت أَخَافُ عَلَيْك أَنْ تَخَافَ اللَّهَ وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَيْك أَنْ لَا تَخَافَ اللَّهَ. وَهَذَا وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْخَائِفَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَأْمُونٌ كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مَرْيَمَ السَّلُولِيِّ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ زَيْدًا: وَاَللَّهِ إنِّي لَا أُحِبُّك حَتَّى تُحِبَّ الْأَرْضُ الدَّمَ. قَالَ: أَفَيَمْنَعُنِي ذَلِكَ حَقًّا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا ضَيْرَ، إنَّمَا يَأْسَى عَلَى الْحُبِّ النِّسَاءُ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَصْدَقَ طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَصْدَقَ هَذَا الْقَدْرَ، فَمَرَّ بِالْمَالِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَدَاقُ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَدْخِلُوهُ بَيْتَ الْمَالِ. فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ طَلْحَةُ وَقِيلَ لَهُ: كَلِّمْهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، لَئِنْ كَانَ عُمَرُ يَرَى لَهُ فِيهِ حَقًّا لَا يَرُدُّهُ لِكَلَامِي، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى فِيهِ حَقًّا لَيَرُدَّنَّهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ أَمَرَ بِالْمَالِ فَدُفِعَ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ.
وَحُكِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ حَبَسَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَكَتَبَ عَلَى حَائِطِ الْحَبْسِ:
أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ ... وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي ... وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْمَعَادِ إنْ الْتَقَيْنَا ... غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
فَأُخْبِرَ الرَّشِيدُ بِذَلِكَ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا، وَدَعَا بِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَاسْتَحَلَّهُ وَوَهَبَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَطْلَقَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute