عَنْ الْوَالِدِ بِحَالٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْهَلَةٌ مَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ» .
فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَذَرَ عَلَيْهِ يُكْسِبُ هَذِهِ الْأَوْصَافَ، وَيُحْدِثُ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ طَلَبَ الْوَلَدِ كَرَاهَةً لِهَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، لِلُزُومِهَا طَبْعًا، وَحُدُوثِهَا حَتْمًا.
وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: مَا بَالُك تَكْرَهُ الْوَلَدَ؟ فَقَالَ: مَا لِي وَلِلْوَلَدِ، إنْ عَاشَ كَدَّنِي، وَإِنْ مَاتَ هَدَّنِي. وَقِيلَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -: أَلَا تَتَزَوَّجُ؟ فَقَالَ: إنَّمَا يُحَبُّ التَّكَاثُرُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ. وَأَمَّا مَا كَانَ حَادِثًا بِالِاكْتِسَابِ فَهِيَ الْمَحَبَّةُ الَّتِي تُنَمَّى مَعَ الْأَوْقَاتِ، وَتَتَغَيَّرُ مَعَ تَغَيُّرِ الْحَالَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْوَلَدُ أَنْوَطُ» . يَعْنِي أَنَّ حُبَّهُ يَلْتَصِقُ بِنِيَاطِ الْقَلْبِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ، وَثَمَرَةُ الْقَلْبِ الْوَلَدُ» . فَإِنْ انْصَرَفَ الْوَالِدُ عَنْ حُبِّ الْوَلَدِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِبَعْضٍ مِنْهُ، وَلَكِنْ لِسَلْوَةٍ حَدَثَتْ مِنْ عُقُوقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، مَعَ بَقَاءِ الْحَذَرِ وَالْإِشْفَاقِ الَّذِي لَا يَزُولُ عَنْهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ. فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ الْآبَاءَ لِلْأَبْنَاءِ فَحَذَّرَهُمْ فِتْنَتَهُمْ وَلَمْ يُوصِهِمْ بِهِمْ، وَلَمْ يَرْضَ الْأَبْنَاءَ لِلْآبَاءِ فَأَوْصَاهُمْ بِهِمْ. وَإِنَّ شَرَّ الْأَبْنَاءِ مَنْ دَعَاهُ التَّقْصِيرُ إلَى الْعُقُوقِ، وَشَرَّ الْآبَاءِ مَنْ دَعَاهُ الْبِرُّ إلَى الْإِفْرَاطِ. وَالْأُمَّهَاتُ أَكْثَرُ إشْفَاقًا وَأَوْفَرُ حُبًّا لِمَا بَاشَرْنَ مِنْ الْوِلَادَةِ وَعَانَيْنَ مِنْ التَّرْبِيَةِ فَإِنَّهُنَّ أَرَقُّ قُلُوبًا وَأَلْيَنُ نُفُوسًا.
وَبِحَسَبِ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّعَطُّفُ عَلَيْهِنَّ أَوْفَرَ جَزَاءٍ لِفِعْلِهِنَّ، وَكِفَاءً لِحَقِّهِنَّ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَشْرَكَ بَيْنَهُمَا فِي الْبِرِّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدِيهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ٨] . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ لِي أُمًّا أَنَا مُطِيعُهَا أُقْعِدُهَا عَلَى ظَهْرِي، وَلَا أَصْرِفُ عَنْهَا وَجْهِي، وَأَرُدُّ إلَيْهَا كَسْبِي، فَهَلْ جَزَيْتهَا؟ قَالَ لَا وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُك وَهِيَ تُحِبُّ حَيَاتَك، وَأَنْتَ تَخْدُمُهَا وَتُحِبُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute