للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مَوْتَهَا» .

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حَقُّ الْوَالِدِ أَعْظَمُ، وَبِرُّ الْوَالِدِ أَلْزَمُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَنْهَاكُمْ عَنْ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدِ الْبَنَاتِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ» . وَرَوَى خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ عَنْ الْمِقْدَامِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ» .

وَأَمَّا الْمَوْلُودُونَ فَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَلَدَ الْوَلَدِ الصَّفْوَةَ. وَهُمْ مُخْتَصُّونَ مَعَ سَلَامَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَازِمٌ، وَالْآخَرُ مُنْتَقِلٌ. فَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْأَنَفَةُ لِلْآبَاءِ مِنْ تَهَضُّمٍ أَوْ خُمُولٍ. وَالْأَنَفَةُ فِي الْأَبْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِشْفَاقِ فِي الْآبَاءِ. وَقَدْ لَحَظَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَعْرِهِ فَقَالَ:

فَأَصْبَحْت يَلْقَانِي الزَّمَانُ لِأَجْلِهِ ... بِإِعْظَامِ مَوْلُودٍ وَإِشْفَاقِ وَالِدِ

فَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ فَهُوَ الْإِدْلَالُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَالِ الْوَلَدِ، وَالْإِدْلَالُ فِي الْأَبْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَبَّةِ فِي الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْآبَاءِ أَخَصُّ، وَالْإِدْلَالَ بِالْأَبْنَاءِ أَمَسُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُنَا نَرِقُّ عَلَى أَوْلَادِنَا وَلَا يَرِقُّونَ عَلَيْنَا؟ قَالَ: لِأَنَّا وَلَدْنَاهُمْ وَلَمْ يَلِدُونَا» . ثُمَّ الْإِدْلَالُ فِي الْأَبْنَاءِ قَدْ يَنْتَقِلُ مَعَ الْكِبَرِ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْبِرُّ وَالْإِعْظَامُ، وَإِمَّا إلَى الْجَفَاءِ وَالْعُقُوقِ. فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَشِيدًا أَوْ كَانَ الْأَبُ بَرًّا عَطُوفًا صَارَ الْإِدْلَالُ بِرًّا وَإِعْظَامًا.

وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «إنَّ حَقَّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يَخْشَعَ لَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ النَّصَبِ وَالسَّغَبِ. فَإِنَّ الْمُكَافِئَ لَيْسَ بِالْوَاصِلِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ مَنْ إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» . وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ غَاوِيًا أَوْ كَانَ الْوَالِدُ جَافِيًا صَارَ الْإِدْلَالُ قَطِيعَةً وَعُقُوقًا. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ» . وَبُشِّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَوْلُودٍ فَقَالَ: رَيْحَانَةٌ أَشُمُّهَا ثُمَّ هُوَ عَنْ قَرِيبٍ

<<  <   >  >>