للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْأُدَبَاءِ: مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ.

وَقَالَ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ:

وَقُلْ لِبَنِي سَعْدٍ فَمَا لِي وَمَا لَكُمْ ... تُرِقُّونَ مِنِّي مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَعْتِقُ

أَغَرَّكُمْ أَنِّي بِأَحْسَنِ شِيمَةٍ ... بَصِيرٌ وَأَنِّي بِالْفَوَاحِشِ أَخْرَقُ

وَإِنْ تَكُ قَدْ فَاحَشْتَنِي فَقَهَرْتَنِي ... هَنِيئًا مَرِيئًا أَنْتَ بِالْفُحْشِ أَحْذَقُ

وَالسَّادِسُ مِنْ أَسْبَابِهِ: التَّفَضُّلُ عَلَى السِّبَابِ. فَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَمِ وَحُبِّ التَّأَلُّفِ، كَمَا قِيلَ لِلْإِسْكَنْدَرِ: إنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا يُنْقِصَانِك وَيَثْلُبَانِكَ فَلَوْ عَاقَبْتَهُمَا. فَقَالَ: هُمَا بَعْدَ الْعُقُوبَةِ أَعْذَرُ فِي تَنَقُّصِي وَثَلْبِي. فَكَانَ هَذَا تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَأَلُّفًا.

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا عَادَانِي أَحَدٌ قَطُّ إلَّا أَخَذْت فِي أَمْرِهِ بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إنْ كَانَ أَعْلَى مِنِّي عَرَفْت لَهُ قَدْرَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونِي رَفَعْت قَدْرِي عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَظِيرِي تَفَضَّلْت عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ الْخَلِيلُ، فَنَظَمَهُ شِعْرًا فَقَالَ:

سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ ... وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ

فَمَا النَّاسُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ ... شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ

فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ... وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لَازِمُ

وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا ... أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لَائِمُ

وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ... تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ

وَالسَّابِعُ مِنْ أَسْبَابِهِ: اسْتِنْكَافُ السِّبَابِ وَقَطْعُ السِّبَابِ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْحَزْمِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِضِرَارِ بْنِ الْقَعْقَاعِ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْت وَاحِدَةً لَسَمِعْت عَشْرًا. فَقَالَ لَهُ ضِرَارٌ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْت عَشْرًا لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً.

وَحُكِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ لِعَامِرِ بْنِ مُرَّةَ الزُّهْرِيِّ: مَنْ أَحْمَقُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَعْقَلُ النَّاسِ. قَالَ: صَدَقْت، فَمَنْ أَعْقَلُ النَّاسِ؟ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الصَّمْتَ فِي عُقُوبَةِ الْجُهَّالِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا أَدْرَكْت أُمِّي فَأَبَرُّهَا، وَلَكِنْ لَا أَسُبُّ أَحَدًا فَيَسُبُّهَا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: فِي إعْرَاضِك صَوْنُ أَعْرَاضِك.

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:

وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الْأَذَى ... وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا

<<  <   >  >>