فَتَنْدَمَ إذْ لَا تَنْفَعَنَّكَ نَدَامَةٌ ... كَمَا نَدِمَ الْمَغْبُونُ لَمَّا تَفَرَّقَا
وَقَالَ آخَرُ:
قُلْ مَا بَدَا لَك مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَذِبِ ... حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْرُ صَمَّاءِ
وَالثَّامِنُ مِنْ أَسْبَابِهِ: الْخَوْفُ مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْجَوَابِ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ ضَعْفِ النَّفْسِ وَرُبَّمَا أَوْجَبَهُ الرَّأْيُ وَاقْتَضَاهُ الْحَزْمُ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْحِلْمُ حِجَابُ الْآفَاتِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
اُرْفُقْ إذَا خِفْتَ مِنْ ذِي هَفْوَةٍ خَرَقًا ... لَيْسَ الْحَلِيمُ كَمَنْ فِي أَمْرِهِ خَرَقُ
وَالتَّاسِعُ مِنْ أَسْبَابِهِ: الرِّعَايَةُ لِيَدٍ سَالِفَةٍ، وَحُرْمَةٍ لَازِمَةٍ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْوَفَاءِ وَحُسْنِ الْعَهْدِ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: أَكْرَمُ الشِّيَمِ أَرْعَاهَا لِلذِّمَمِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ الْوَفَاءَ عَلَى الْكَرِيمِ فَرِيضَةٌ ... وَاللُّؤْمُ مَقْرُونٌ بِذِي الْإِخْلَافِ
وَتَرَى الْكَرِيمَ لِمَنْ يُعَاشِرُ مُنْصِفًا ... وَتَرَى اللَّئِيمَ مُجَانِبَ الْإِنْصَافِ
وَالْعَاشِرُ مِنْ أَسْبَابِهِ: الْمَكْرُ وَتَوَقُّعُ الْفُرَصِ الْخَلْفِيَّةِ. وَهَذَا يَكُونُ مِنْ الدَّهَاءِ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ ظَهَرَ غَضَبُهُ قَلَّ كَيْدُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: غَضَبُ الْجَاهِلِ فِي قَوْلِهِ، وَغَضَبُ الْعَاقِلِ فِي فِعْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذَا سَكَتَّ عَنْ الْجَاهِلِ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَابًا وَأَوْجَعْتَهُ عِقَابًا. وَقَالَ إيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ:
تُعَاقِبُ أَيْدِينَا وَيَحْلُمُ رَأْيُنَا ... وَنَشْتُمُ بِالْأَفْعَالِ لَا بِالتَّكَلُّمِ
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَلَلْكَفُّ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّمًا ... أَضَرُّ لَهُ مِنْ شَتْمِهِ حِينَ يَشْتُمُ
فَهَذِهِ عَشْرَةُ أَسْبَابٍ تَدْعُو إلَى الْحِلْمِ. وَبَعْضُ الْأَسْبَابِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ. وَلَيْسَ إذَا كَانَ بَعْضُ أَسْبَابِهِ مَفْضُولًا مَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ نَتِيجَتُهُ مِنْ الْحِلْمِ مَذْمُومَةً. وَأَمَّا الْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَهُ لَلْحِلْمِ أَفْضَلُ أَسْبَابِهِ، وَإِنْ