السَّمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ ذَكَرَ قُدْرَةَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ قُدْرَتَهُ فِي ظُلْمِ عِبَادِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مُحَارِبٍ لِهَارُونَ الرَّشِيدِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُك بِاَلَّذِي أَنْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَذَلُّ مِنِّي بَيْنَ يَدَيْك، وَبِاَلَّذِي هُوَ أَقْدَرُ عَلَى عِقَابِك مِنْك عَلَى عِقَابِي لَمَا عَفَوْتَ عَنِّي. فَعَفَا عَنْهُ لَمَّا ذَكَّرَهُ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَسْوَةَ فَقَالَ: اطَّلِعْ فِي الْقُبُورِ وَاعْتَبِرْ بِالنُّشُورِ» . وَكَانَ بَعْضُ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ إذَا غَضِبَ أُلْقِيَ عِنْدَهُ مَفَاتِيحُ تُرَبِ الْمُلُوكِ فَيَزُولُ غَضَبُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنْ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ الْحَالَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إلَى حَالَةٍ غَيْرِهَا، فَيَزُولُ عَنْهُ الْغَضَبُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالتَّنَقُّلِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. وَكَانَ هَذَا مَذْهَبَ الْمَأْمُونِ إذَا غَضِبَ أَوْ شُتِمَ. وَكَانَتْ الْفُرْسُ تَقُولُ: إذَا غَضِبَ الْقَائِمُ فَلْيَجْلِسْ وَإِذَا غَضِبَ الْجَالِسُ فَلْيَقُمْ. وَمِنْهَا: أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْغَضَبُ مِنْ النَّدَمِ وَمَذَمَّةِ الِانْتِقَامِ.
وَكَتَبَ إبْرُوِيزُ إلَى ابْنِهِ شِيرَوَيْهِ: إنَّ كَلِمَةً مِنْك تَسْفِكُ دَمًا وَأُخْرَى مِنْك تَحْقِنُ دَمًا، وَإِنَّ نَفَاذَ أَمْرِك مَعَ كَلَامِك، فَاحْتَرِسْ، فِي غَضَبِك، مِنْ قَوْلِك أَنْ تُخْطِئَ، وَمِنْ لَوْنِك أَنْ يَتَغَيَّرَ، وَمِنْ جَسَدِك أَنْ يَخِفَّ، فَإِنَّ الْمُلُوكَ تُعَاقِبُ قُدْرَةً، وَتَعْفُو حِلْمًا. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْغَضَبُ عَلَى مَنْ لَا تَمْلِكُ عَجْزٌ، وَعَلَى مَنْ تَمْلِكُ لُؤْمٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: إيَّاكَ وَعِزَّةَ الْغَضَبِ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى ذُلِّ الْعُذْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَإِذَا مَا اعْتَرَتْك فِي الْغَضَبِ الْعِزَّةُ ... فَاذْكُرْ تَذَلُّلَ الِاعْتِذَارِ
وَمِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ ثَوَابَ الْعَفْوِ، وَجَزَاءَ الصَّفْحِ، فَيَقْهَرُ نَفْسَهُ عَلَى الْغَضَبِ رَغْبَةً فِي الْجَزَاءِ وَالثَّوَابِ، وَحَذَرًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ.
رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ لَهُ أَجْرٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقُمْ. فَيَقُومُ الْعَافُونَ عَنْ النَّاسِ. ثُمَّ تَلَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute