للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠] » .

وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فِي أُسَارَى ابْنِ الْأَشْعَثِ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاك مَا تُحِبُّ مِنْ الظَّفَرِ فَأَعْطِ اللَّهَ مَا يُحِبُّ مِنْ الْعَفْوِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْخَيْرُ ثَلَاثُ خِصَالٍ فَمَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ: مَنْ إذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي بَاطِلٍ، وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ مِنْ حَقٍّ، وَإِذَا قَدَرَ عَفَا» . وَأَسْمَعَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَلَامًا فَقَالَ عُمَرُ: أَرَدْتَ أَنْ يَسْتَفِزَّنِي الشَّيْطَانُ لِعِزَّةِ السُّلْطَانِ فَأَنَالُ مِنْك الْيَوْمَ مَا تَنَالُهُ مِنِّي غَدًا انْصَرِفْ رَحِمَك اللَّهُ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَذْكُرَ انْعِطَافَ الْقُلُوبِ عَلَيْهِ، وَمَيْلَ النُّفُوسِ إلَيْهِ، فَلَا يَرَى إضَاعَةَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَرْغَبُ فِي التَّأَلُّفِ وَجَمِيلِ الثَّنَاءِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا ازْدَادَ أَحَدٌ بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، فَاعْفُوا يُعِزُّكُمْ اللَّهُ» . وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ سُرْعَةُ الِانْتِقَامِ، وَلَا مِنْ شُرُوطِ الْكَرَمِ إزَالَةُ النِّعَمِ. وَقَالَ الْمَأْمُونُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ: إنِّي شَاوَرْتُ فِي أَمْرِك فَأَشَارُوا عَلَيَّ بِقَتْلِك إلَّا أَنِّي وَجَدْتُ قَدْرَك فَوْقَ ذَنْبِك فَكَرِهْتُ الْقَتْلَ لِلَازِمِ حُرْمَتِك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ الْمُشِيرَ أَشَارَ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي السِّيَاسَةِ، إلَّا أَنَّك أَبَيْت أَنْ تَطْلُبَ النَّصْرَ إلَّا مِنْ حَيْثُ عَوَّدَتْهُ مِنْ الْعَفْوِ فَإِنْ عَاقَبْت فَلَكَ نَظِيرٌ، وَإِنْ عَفَوْتَ فَلَا نَظِيرَ لَك. وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

الْبِرُّ بِي مِنْكَ وَطَّا الْعُذْرَ عِنْدَكَ لِي ... فِيمَا فَعَلْتَ فَلَمْ تَعْذِلْ وَلَمْ تَلُمْ

وَقَامَ عِلْمُكَ بِي فَاحْتَجَّ عِنْدَكَ لِي ... مَقَامُ شَاهِدٍ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمِ

لَئِنْ جَحَدْتُكَ مَعْرُوفًا مَنَنْتَ بِهِ ... إنِّي لَفِي اللُّؤْمِ أَحْظَى مِنْكَ بِالْكَرَمِ

تَعْفُو بِعَدْلٍ وَتَسْطُو إنْ سَطَوْتَ بِهِ ... فَلَا عَدِمْنَاكَ مِنْ عَافٍ وَمُنْتَقِمِ

<<  <   >  >>