يُذْهِبُ الْبَهَاءَ، وَيُجَرِّئُ عَلَيْك السُّفَهَاءَ، وَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِيهِ يَفُضُّ عَنْك الْمُؤَانِسِينَ، وَيُوحِشُ مِنْك الْمُصَاحِبِينَ. وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْفِيَ بِالْمِزَاحِ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سَأَمٍ، وَأَحْدَثَ بِهِ مِنْ هَمٍّ. فَقَدْ قِيلَ: لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ. وَأَنْشَدْت لِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ:
أَفْدِ طَبْعَك الْمَكْدُودَ بِالْجِدِّ رَاحَةً ... يُجَمُّ وَعَلِّلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَزْحِ
وَلَكِنْ إذَا أَعْطَيْتَهُ الْمَزْحَ فَلْيَكُنْ ... بِمِقْدَارِ مَا تُعْطِي الطَّعَامَ مِنْ الْمِلْحِ
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْزَحُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا» . فَمِنْ مِزَاحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِيَ «أَنَّ عَجُوزًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَدْعُ لِي بِالْمَغْفِرَةِ. فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا الْعَجَائِزُ، فَصَرَخَتْ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَمَا قَرَأْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة: ٣٥] {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة: ٣٦] {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة: ٣٧] » .
«وَأَتَتْهُ أُخْرَى فِي حَاجَةٍ لِزَوْجِهَا فَقَالَ لَهَا: وَمَنْ زَوْجُك؟ فَقَالَتْ: فُلَانٌ. فَقَالَ لَهَا: الَّذِي فِي عَيْنِهِ بَيَاضٌ؟ فَقَالَتْ: لَا. فَقَالَ: بَلَى. فَانْصَرَفَتْ عَجْلَى إلَى زَوْجِهَا وَجَعَلَتْ تَتَأَمَّلُ عَيْنَيْهِ فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فِي عَيْنَيْك بَيَاضًا. فَقَالَ: أَمَّا تَرَيْنَ بَيَاضَ عَيْنَيَّ أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهَا» . وَأَتَى رَجُلٌ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إنِّي احْتَلَمْتُ عَلَى أُمِّي. فَقَالَ: أَقِيمُوهُ فِي الشَّمْسِ وَاضْرِبُوا ظِلَّهُ الْحَدَّ.
وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الشَّيْطَانِ فَقَالَ: نَحْنُ نَرْضَى مِنْهُ بِالْكَفَافِ. وَقِيلَ لَهُ: مَا اسْمُ امْرَأَةِ إبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ -؟ فَقَالَ: ذَاكَ نِكَاحٌ مَا شَهِدْنَاهُ. وَقَالَ رَجُلٌ لِغُلَامٍ: بِكَمْ تَعْمَلُ مَعِي؟ قَالَ: بِطَعَامِي. فَقَالَ لَهُ: أَحْسِنْ قَلِيلًا. قَالَ: فَأَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ، وَكَانَ مُحَدِّثًا، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: أَفْقَهُ النَّاسِ وَضَّاحُ الْيَمَنِ فِي قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute