وَالدَّاعِي إلَى ذَلِكَ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: إرْسَالُ الطَّرْفِ. وَالثَّانِي: اتِّبَاعُ الشَّهْوَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ الْأُولَى لَك وَالثَّانِيَةَ عَلَيْك» . وَفِي قَوْلِهِ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تُتْبِعْ نَظَرَ عَيْنَيْك نَظَرَ قَلْبِك، وَالثَّانِي لَا تُتْبِعْ الْأُولَى الَّتِي وَقَعَتْ سَهْوًا بِالنَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تُوقِعُهَا عَمْدًا. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إيَّاكُمْ وَالنَّظْرَةَ بَعْدَ النَّظْرَةِ فَإِنَّهَا تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ، وَكَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: الْعُيُونُ مَصَائِدُ الشَّيْطَانِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَرْسَلَ طَرْفَهُ اسْتَدْعَى حَتْفَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَك رَائِدًا ... لِقَلْبِك يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ
رَأَيْتَ الَّذِي لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ ... عَلَيْهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ
وَأَمَّا الشَّهْوَةُ فَهِيَ خَادِعَةُ الْعُقُولِ وَغَادِرَةُ الْأَلْبَابِ، وَمُحَسِّنَةُ الْقَبَائِحِ، وَمُسَوِّلَةُ الْفَضَائِحِ. وَلَيْسَ عَطَبٌ إلَّا وَهِيَ لَهُ سَبَبٌ، وَعَلَيْهِ أَلَبُّ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَحُفِظَ مِنْ الشَّيْطَانِ: مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ حِينَ يَرْغَبُ، وَحِينَ يَرْهَبُ، وَحِينَ يَشْتَهِي، وَحِينَ يَغْضَبُ» .
وَقَهْرُهَا عَنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا غَضُّ الطَّرْفِ عَنْ إثَارَتِهَا، وَكَفُّهُ عَنْ مُسَاعَدَتِهَا. فَإِنَّهُ الرَّائِدُ الْمُحَرِّكُ، وَالْقَائِدُ الْمُهْلِكُ. رَوَى سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَقَبَّلُوا إلَيَّ بِسِتٍّ أَتَقَبَّلُ إلَيْكُمْ بِالْجَنَّةِ. قَالُوا وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبُ، وَإِذَا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفُ، وَإِذَا اُؤْتُمِنَ فَلَا يَخُونُ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» .
وَالثَّانِي: تَرْغِيبُهَا فِي الْحَلَالِ عِوَضًا، وَإِقْنَاعُهَا بِالْمُبَاحِ بَدَلًا، فَإِنَّ اللَّهَ مَا حَرَّمَ شَيْئًا إلَّا وَأَغْنَى عَنْهُ بِمُبَاحٍ مِنْ جِنْسِهِ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ نَوَازِعِ الشَّهْوَةِ، وَتَرْكِيبِ الْفِطْرَةِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَوْنًا عَلَى طَاعَتِهِ، وَحَاجِزًا عَنْ مُخَالَفَتِهِ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِشَيْءٍ إلَّا وَأَعَانَ عَلَيْهِ، وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَأَغْنَى عَنْهُ. وَالثَّالِثُ: إشْعَارُ النَّفْسِ تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute