للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أَوَامِرِهِ، وَاتِّقَاءَهُ فِي زَوَاجِره، وَإِلْزَامُهَا مَا أَلْزَمَ مِنْ طَاعَتِهِ، وَتَحْذِيرُهَا مَا حَذَّرَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَإِعْلَامُهَا أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ضَمِيرٌ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ قِطْمِيرٌ.

وَأَنَّهُ يُجَازِي الْمُحْسِنَ وَيُكَافِئُ الْمُسِيءَ، وَبِذَلِكَ نَزَلَتْ كُتُبُهُ وَبَلَّغَتْ رُسُلُهُ.

رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ آخِرَ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٨١] .

وَآخِرَ مَا نَزَلَ مِنْ التَّوْرَاةِ: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت. وَآخِرَ مَا نَزَلَ مِنْ الْإِنْجِيلِ: شَرُّ النَّاسِ مَنْ لَا يُبَالِي أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ مُسِيئًا. وَآخِرَ مَا نَزَلَ مِنْ الزَّبُورِ: مَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا حَصَدَ زَرْعَهُ غِبْطَةً. فَإِذَا أَشْعَرهَا مَا وَصَفْتُ انْقَادَتْ إلَى الْكَفِّ وَأَذْعَنَتْ بِالِاتِّقَاءِ فَسَلِمَ دِينُهُ وَظَهَرَتْ مُرُوءَتُهُ.

فَهَذَا شَرْطٌ وَأَمَّا كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْأَعْرَاضِ فَلِأَنَّهُ مَلَاذُ السُّفَهَاءِ، وَانْتِقَامُ أَهْلِ الْغَوْغَاءِ، وَهُوَ مُسْتَسْهَلُ الْكَلَفِ إذَا لَمْ يَقْهَرْ نَفْسَهُ عَنْهُ بِرَادِعٍ كَافٍ وَزَاجِرٍ صَادٍّ تَلَبَّطَ بِمَعَارِّهِ، وَتَخَبَّطَ بِمَضَارِّهِ، وَظَنَّ أَنَّهُ لِتَجَافِي النَّاسِ عَنْهُ حِمًى يُتَّقَى، وَرُتْبَةً تُرْتَقَى، فَهَلَكَ وَأَهْلَكَ. فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» .

فَجَمَعَ بَيْنَ الدَّمِ وَالْعِرْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيغَارِ الصُّدُورِ، وَإِبْدَاءِ الشُّرُورِ، وَإِظْهَارِ الْبَذَاءِ، وَاكْتِسَابِ الْأَعْدَاءِ، وَلَا يَبْقَى مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ وَزْنٌ لِمَوْمُوقٍ وَلَا مُرُوءَةٌ لِمَلْحُوظٍ ثُمَّ هُوَ بِهَا مَوْتُورٌ مَوْزُورٌ؛ وَلِأَجْلِهَا مَهْجُورٌ مَزْجُورٌ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «شَرُّ النَّاسِ مَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ لِسَانِهِ» . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ بِفُضُولِ الْكَلَامِ وَفُضُولِ الْمَالِ.

وَمَا قَدَحَ فِي الْأَعْرَاضِ مِنْ الْكَلَامِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَدَحَ فِي عِرْضِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ شَيْئَانِ: الْكَذِبُ وَفُحْشُ الْقَوْلِ. وَالثَّانِي: مَا تَجَاوَزَهُ إلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالسِّعَايَةُ وَالسَّبُّ بِقَذْفٍ أَوْ شَتْمٍ. وَرُبَّمَا كَانَ السَّبُّ أَنْكَاهَا لِلْقُلُوبِ وَأَبْلَغَهَا أَثَرًا فِي النُّفُوسِ. وَلِذَلِكَ زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْحَدِّ تَغْلِيظًا وَبِالتَّفْسِيقِ تَشْدِيدًا

<<  <   >  >>