للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ارْحَمُوا عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ، ارْحَمُوا غَنِيًّا افْتَقَرَ، ارْحَمُوا عَالِمًا ضَاعَ بَيْنَ الْجُهَّالِ» .

وَلَا يُظْهِرُ لَهُ الِاسْتِكْفَاءَ مِنْهُ وَالِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ كُفْرًا لِنِعْمَتِهِ، وَاسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ. وَرُبَّمَا وَجَدَ بَعْضُ الْمُتَعَلِّمِينَ قُوَّةً فِي نَفْسِهِ لِجَوْدَةِ ذَكَائِهِ وَحِدَةِ خَاطِرِهِ، فَقَصَدَ مَنْ يُعَلِّمُهُ بِالْإِعْنَاتِ لَهُ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ إزْرَاءً بِهِ وَتَبْكِيتًا لَهُ، فَيَكُونُ كَمَنْ تَقَدَّمَ فِيهِ الْمَثَلُ السَّائِرُ لِأَبِي الْبَطْحَاءِ:

أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ ... فَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي

وَهَذِهِ مِنْ مَصَائِبِ الْعُلَمَاءِ وَانْعِكَاسِ حُظُوظِهِمْ أَنْ يَصِيرُوا عِنْدَ مَنْ يُعَلِّمُوهُ مُسْتَجْهَلِينَ، وَعِنْدَ مَنْ قَدَّمُوهُ مُسْتَرْذَلِينَ.

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ:

وَإِنَّ عَنَاءً أَنْ تُعَلِّمَ جَاهِلًا ... فَيَحْسَبُ أَهْلًا أَنَّهُ مِنْك أَعْلَمُ

مَتَى يَبْلُغُ الْبُنْيَانُ يَوْمًا تَمَامَهُ ... إذَا كُنْت تَبْنِيهِ وَغَيْرُك يَهْدِمُ

مَتَى يَنْتَهِي عَنْ سَيِّئٍ مَنْ أَتَى بِهِ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَلَيْهِ تَنَدُّمُ

وَقَدْ رَجَّحَ كَثِيرُ مِنْ الْحُكَمَاءِ حَقَّ الْعَالِمِ عَلَى حَقِّ الْوَالِدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ:

يَا فَاخِرًا لِلسَّفَاهِ بِالسَّلَفِ ... وَتَارِكًا لِلْعَلَاءِ وَالشَّرَفِ

آبَاءُ أَجْسَادِنَا هُمْ سَبَبٌ ... لَأَنْ جُعِلْنَا عَرَائِضَ التَّلَفِ

مَنْ عَلَّمَ النَّاسَ كَانَ خَيْرَ أَبٍ ... ذَاكَ أَبُو الرُّوحِ لَا أَبُو النُّطَفِ

وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَبْعَثَهُ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ لَهُ عَلَى قَبُولِ الشُّبْهَةِ مِنْهُ، وَلَا يَدْعُوهُ تَرْكُ الْإِعْنَاتِ لَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ فِيمَا أَخَذَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَا بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي عَالِمِهِمْ حَتَّى يَرَوْا أَنَّ قَوْلَهُ دَلِيلٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ، وَأَنَّ اعْتِقَادَهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجَّ، فَيُفْضِي بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى التَّسْلِيمِ لَهُ فِيمَا أَخَذَ مِنْهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَبْطُلَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ إنْ انْفَرَدَتْ أَوْ يَخْرُجَ أَهْلُهَا مِنْ عِدَادِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا شَارَكَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَرَى لَهُمْ مَنْ يَأْخُذُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَرَوْنَهُ لِمَنْ أَخَذُوا عَنْهُ فَيُطَالِبُهُمْ بِمَا قَصَّرُوا فِيهِ فَيَضْعُفُوا عَنْ إبَانَتِهِ، وَيَعْجِزُوا عَنْ نُصْرَتِهِ، فَيَذْهَبُوا ضَائِعِينَ

<<  <   >  >>