فَأَرْشِدُوهُ، وَرَجُلٌ لَا يَدْرِي وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ لَا يَدْرِي فَذَلِكَ جَاهِلٌ فَارْفُضُوهُ.
وَأَنْشَدَ أَبُو الْقَاسِمِ الْآمِدِيُّ:
إذَا كُنْت لَا تَدْرِي وَلَمْ تَكُنْ بِاَلَّذِي ... يُسَائِلُ مَنْ يَدْرِي فَكَيْفَ إذًا تَدْرِي
جَهِلْت وَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّك جَاهِلٌ ... فَمَنْ لِي بِأَنْ تَدْرِي بِأَنَّك لَا تَدْرِي
إذَا كُنْت مِنْ كُلِّ الْأُمُورِ مُعَمِّيًا ... فَكُنْ هَكَذَا أَرْضًا يَطَأْكَ الَّذِي يَدْرِي
وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ أَنَّك لَا تَدْرِي ... وَأَنَّك لَا تَدْرِي بِأَنَّك لَا تَدْرِي
وَلْيَكُنْ مِنْ شِيمَتِهِ الْعَمَلُ بِعِلْمِهِ، وَحَثُّ النَّفْسِ عَلَى أَنْ تَأْتَمِرَ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَلَا يَكُنْ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: ٥] . فَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: ٦٨] : يَعْنِي أَنَّهُ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَيْلٌ لِجَمَّاعِ الْقَوْلِ وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ» . يُرِيدُ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَا ابْنَ عِمْرَانَ تَعَلَّمْ الْعِلْمَ لِتَعْمَلَ بِهِ، وَلَا تَتَعَلَّمْهُ لِتُحَدِّثَ بِهِ فَيَكُونُ عَلَيْك بُورُهُ، وَلِغَيْرِك نُورُهُ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إنَّمَا زَهِدَ النَّاسُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ قِلَّةِ انْتِفَاعِ مَنْ عَلِمَ بِمَا عَلِمَ.
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَخْوَفُ مَا أَخَافُ إذَا وَقَفْت بَيْنَ يَدِي اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: قَدْ عَلِمْت فَمَاذَا عَمِلْت إذْ عَلِمْت؟ وَكَانَ يُقَالُ: خَيْرٌ مِنْ الْقَوْلِ فَاعِلُهُ، وَخَيْرٌ مِنْ الصَّوَابِ قَائِلُهُ، وَخَيْرٌ مِنْ الْعِلْمِ حَامِلُهُ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: ثَمَرَةُ الْعِلْمِ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَثَمَرَةُ الْعَمَلِ أَنْ يُؤْجَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَهُ أَقَامَ وَإِلَّا ارْتَحَلَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: خَيْرُ الْعِلْمِ مَا نَفَعَ، وَخَيْرُ الْقَوْلِ مَا رَدَعَ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: ثَمَرَةُ الْعُلُومِ الْعَمَلُ بِالْعُلُومِ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مِنْ تَمَامِ الْعِلْمِ