للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معذرة الإخوان لبعضهم فيما بينهم]

جاء العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم ومعه عبد الله بن عباس وما زال فوجد الباب مفتوحاً، فاستأذن العباس على رسول الله ثلاث مرات فلم يأذن له، -ويقولون كان في بني هاشم حدة- فعاد مغضباً، فأدرك الغلام أن أباه غضب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأذن له بالدخول، فقال: يا أبت! لا تغضب لعله مشغول مع الرجل الذي هو جالس عنده، قال: أوعنده رجل؟ قال: بلى.

قال: ما رأيته، قال: بلى رأيت رجلاً عنده يحادثه، فجاء راجعاً، ولما جاء راجعاً استأذن فأذن له، فقال العباس: يا ابن أخي جئت فاستأذنت عليك ثلاث مرات فلم تأذن لي، وقال لي الغلام: لعلك مشغول بالرجل الذي كان عندك، وأنا لم أر أحداً، وجئتك الآن فأذنت لي لأول مرة، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغلام وقال: (رأيته؟ قال: نعم.

قال: ذاك جبريل) فهو لم ينتبه له حتى يأذن له أو لا.

وأيضاً: قد يمر الإنسان على أخيه وهو مشغول البال أو تأتي مناسبة فيناديه أو يكلمه فلا ينتبه له، ففي هذه الحالة عليه أن لا يأخذ في خاطره ومما يروى في ذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يوماً فمر على عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فوجده جالساً في طريقه وهو ذاهب إلى بيت أبي بكر فسلّم عليه فلم يرد عليه السلام، فلما دخل على أبي بكر قال: أشكو إليك أخاك عثمان، مررت عليه جالساً في مكان كذا، وسلمت عليه فلم يرد علي سلام.

وهذا من حق الأخوة أن لا يبقيها في صدره حتى تسوء الصلة بين الإخوان، بل حالاً استفسر عنها، ولا تتركها، ليكون القلب على أساسه {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:٣] ، فما انتهى عمر من كلامه إلا وعثمان يستأذن على أبي بكر رضي الله عنهم.

فقال له أبو بكر: ما لك يا أخي عثمان على أخيك عمر يسلم عليك فلم ترد عليه السلام؟ قال: ومتى هذا؟ وأين؟ فقال عمر: وأنت جالس في مكان كذا.

قال: والله ما سمعتك ولا شعرت بك.

وهنا انتبه عمر رضي الله عنه وظهرت حقيقة الأخوة، فقال: فيما كنت مشغولاً إذاً؟ وهذا يهم عمر، لأن أخاه مشغول البال، فلعله يساعده فيما شغل به، ويخفف عنه، فقال: فيم كنت مشغولاً إذاً؟ قال: جلست أتفكر ثم عرض لي ميراث الجد والإخوة، فكنت أفكر وأقول: يا ليتنا كنا سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكمه فقال: والله ما أخرجني من بيتي إلا هذا.

إذاً: الإنسان قد يأذن لمن يستأذن عليه، وقد لا يأذن له أو لا يسمعه، والإنسان قد يحدث أخاه أو يسلم عليه وهو لم يشعر به سواء لثقل في السمع، أو لقلة في الصوت، أو لانشغال البال، فإذا حدث ذلك فلا ينبغي أن يحمل على أخيه.

وبهذه المناسبة أيضاً: جاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إذا بلغتك مقالة عن صديق لك أو أخ لك مسلم، وفيها خمسون احتمالاً على معنى سيء واحتمال واحد لمعنى حسن فاحملها على المعنى الواحد الحسن ولا تظن بأخيك شراً) .

وكنت أسمع والدنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه يقول: (الشائع عندنا في بلادنا من باع أخاه بخمسين زلة باعه بيعة وكس) ، يعني: بيعة رخيصة.

إذاً: يجب على الإنسان أن يغتفر لأخيه إساءته، وأن يصرف ما وصله من أخيه على أحسن احتمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>