للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويعطيك شَبَه الإنسان في نَشْئِه ونَمائه إلى أن يبلغ حدَّ التمام، ثم تراجُعِه إذا انقضت مُدَّة الشباب، كما قال:

المرءُ مِثْلُ هلالٍ حين تُبصرهُ ... يبدو ضئيلاً ضعيفاً ثم يَتَّسِقُ

يَزدادُ حتّى إذا ما تَمَّ أعْقَبه ... كَرُّ الجديدين نقصاً ثم يَنْمَحِقُ

وكذلك يتفرَّع من حالتي تمامه ونُقصانه فروعٌ لطيفة، فمن غريب ذلك قولُ ابن بابك:

وأعَرْتَ شَطْرَ المُلك ثَوْبَ كماله ... والبدرُ في شَطْر المَسافَةِ يكمُلُ

قاله في الأستاذ أبي علي، وقد استوزره فخرُ الدولة بعد وفاة الصاحب وأبا العباس الضبيّ وخلع عليهما وقولُ أبي بكر الخوارزمي:

أراك إذا أيسرتَ خَيَّمتَ عندنا ... مقيماً وإن أعسرتَ زُرتَ لِمَامَا

فما أنت إلا البدرُ إن قَلَّ ضَوءهُ ... أَغَبَّ وإن زَادَ الضياءُ أقَامَا

المعنى لطيف، وإن كانت العبارة لم تساعده على الوجه الذي يجب، فإن الإغباب أن يتخلل وقتَي الحضور وقتٌ يخلو منه، وإنما يصلح لأن يراد أن القمر إذا نقص نورُه، لم يُوال الطلوع كل ليلة، بل يظهر في بعض الليالي، ويمتنع من الظهور في بعض، وليس الأمر كذلك، لأنه على نقصانه يطلع كل ليلة حتى يكون السِّرارُ، وقال ابن بابك في نحوه:

كذا البدرُ يُسْفِرُ في تِمِّه ... فإن خاف نَقْص المَحَاقِ انْتَقَبْ

<<  <   >  >>