٥- ومن منهجه الرجوع إلى المصادر الأصلية والأخذ منها مباشرة والعزو إليها غالبا والتنصيص على الأبواب أحيانا، في تلك الكتب التي ينقل عنها، ولا ينقل النص من كتاب تأخر زمانه إذا كان في كتاب متقدم. ويحاسب غيره إذا خرج عن هذا السنن، حاسب على ذلك الحافظ ابن الصلاح حينما نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على قبول الإسناد المعنعن فقال الحافظ ناقدا له:"إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه، وابن الصلاح كثير النقل من كتابه"، فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني. وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر. وحاسب على ذلك شيخه العراقي حيث عزا إحدى الروايات المتعلقة بالبسملة إلى ابن عبد البر فتعقبه الحافظ قائلا:
"رواها أبو عوانة في صحيحه وأبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو بكر الجوزقي في المتفق، فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمانه".
والحق يقال:"إن هذا المنهج وهو منهج عزو الأقوال إلى قائليها والنصوص إلى مصادرها خصوصا الأصلية منها وتقديم أهل الاختصاص على غيرهم هو منهج علماء الأمة الإسلامية، وهم أساتذة الدنيا في هذا الميدان، خصوصا علماء الحديث وعليهم تتلمذ وتتطفل أهل الغرب والشرق من الكتاب والمؤلفين من غير المسلمين، فإذا اعتقد أحد أن هذا ما أسدته إلينا الحضارة الغربية، وأن المستشرقين المبشرين هم الذين علمونا هذا الأسلوب في دقة النقل فإنما أتي من جهله بالتراث الإسلامي وتأريخ أسلافه العظماء. ولو وجدت المطابع في عهدهم لكانوا أسبق الناس إلى الإشارة إلى الأجزاء والصفحات من الكتب التي ينقلون منها النصوص".