وحفظ بعد رجوعه إلى مصر سنة (٧٨٦) عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي والحاوي الصغير للقزويني، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، والملحة وغيرها.
وكان قد أعطي حافظة قوية، فكان يحفظ كل يوم نصف حزب من القرآن، وكان في غالب أيامه يصحح الصحيفة من الحاوي الصغير، ثم يقرأها مرة أخرى ثم يعرضها في الثالثة حفظا، ثم لازم كثيرا من الشيوخ من المحدثين والفقهاء والقراء واللغويين والأدباء، واستفاد من علومهم.
وحبب إليه الحديث النبوي، فأقبل بكليته عليه وأخذ عن مشايخ عصره وقد بقي منهم بقايا وواصل الغدو بالرواح إليهم.
ولازم الحافظ العراقي عشر سنين وتخرج به، وانتفع بملازمته كما لازم شيوخا آخرين في الحديث وفي فنون أخرى.
وجد في طلب العلوم منقولها ومعقولها حتى بلغ الغاية. وصار كلامه مقبولا لا يعدو الناس مقالته لشدة ذكائه وطول باعه في العلوم.
رحلاته في طلب العلم:
كانت الرحلة في طلب العلم سنة متبعة منذ فجر الإسلام، فكان الصحابة يرحلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتلقوا عنه مبادئ الإسلام وتوجيهاته. ورحل الصحابة والتابعون بعضهم إلى بعض، ثم تتابعت الأجيال الإسلامية على هذا النهج لا سيما أهل الحديث، فقد كانوا يرحلون زرافات ووحدانا يضربون في جنبات العالم الإسلامي شرقا وغربا ارتيادا للحديث وأهله، واستمروا على هذه الحال إلى عهد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فكان واحدا من هؤلاء الأفاضل الشغوفين بالعلم والتضلع منه، فأخذ بحظ وافر في هذا المجال فجال في مصر والشام والحجاز واليمن والتقى بعدد كبير من العلماء في هذه البلدان وحمل عنهم شيئا كثيرا من العلم واستفاد منهم وأفاد.