وكتب تلميذه السخاوي سفرا ضخما في حياته، وترجم له في عدد من مؤلفاته ومن قوله فيه إضافة إلى ما أسلفناه عنه بعد أن ذكر وظائفه وأعماله الجليلة التي قام بها:"وأملى ما ينيف عن ألف مجلس من حفظه، واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رؤوس العلماء من كل مذهب تلامذته، وأخذ الناس عنه طبقة أخرى وألحق الأبناء بالآباء والأحفاد بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحد مجموعهم وقهرهم بذكائه وتفوق تصوره وسرعة إدراكه واتساع نظره ووفور آدابه وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته، وطارت فتواه التي لا يمكن دخولها تحت العصر في الآفاق ... مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه وبذله وحسن عشرته ورضى أخلاقه وميله إلى الفضائل وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره، فقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى"١.
وفاته:
بعد تلك الحياة الحافلة بالنشاط الواسع في خدمة العلم ورفع مناره والجهاد في نشره وإشاعته بمختلف السبل من تدريس وإملاء وتأليف وفتاوى وغيرها ذلك النشاط الذي استغرق ما يقرب من ستين عاما فأنجب جيلا من أفذاذ العلماء وسد فراغا كبيرا في المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الكثيرة الواسعة الناضجة مما لاغني للمكتبة الإسلامية ولا لرواد العلم عنها.
بعد كل هذا وافاه الأجل المحتوم - سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا - على إثر مرض بدأ به من ذي القعدة من سنة (٨٥٢) فكان - رحمه الله - يكتم ذلك المرض ويؤدي واجبه من تدريس وإملاء، ولكن المرض ازداد به فتردد إليه الأطباء، وهرع إليه الناس من أمراء وقضاة لعيادته، دام به ذلك المرض أكثر