للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال"١، فاستدل - رحمه الله - على انتفاء القطع والظهور بوجود الاحتمال٢.


١ انظر الفروق للقرافي٢/٨٧ وشرح تنقيح الفصول/١٨٦ والبحر المحيط ٣/١٥٢-١٥٣ وشرح الكوكب المنير٣/١٧١-١٧٢.
٢ وخروج القضية عن القطعية والظهور إلى الإجمال فيما لو تساوت الاحتمالات في الدليل أو كان الاحتمال في الفعل دون القول.
انظر الكلام على مراد الشافعي بهذه العبارة في الفروق للقرافي٢/٨٧-٩٢ مع إدرار الشروق على أنواء الفروق لابن الشاط، وشرح تنقيح الفصول للقرافي أيضا ص١٨٦-١٨٧ والكاشف عن المحصول لشمس الدين الأصفهاني القسم الرابع ١/٤١١-٤١٥ والبحر المحيط٣/١٥٢-١٥٣ وشرح الكوكب المنير٣/١٧١-١٧٢.
فذكر القرافي أن مراد الشافعي - رحمه الله - بالاحتمال المسقط للاستدلال الاحتمال المساوي الوارد في الدليل الدال على الحكم دون الاحتمال في المحل الوارد عليه الحكم، ومثل له بالاحتمالات في الاستدلال بما يروى أنه صلى الله عليه وسلم قال عن النبيذ: "ثمرة طيبة وماء طهور". [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (سنن أبي داود مع عون المعبود١/١٤٥-١٥٥ وسنن الترمذي مع تحفة الأحوذي١/٢٩١-٢٩٢ وسنن ابن ماجه ١/١٣٥-١٣٦) . وانظر تخريجه في نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي١/١٣٧-١٤٨ وضعيف سنن الترمذي للشيخ الألباني ص٣٢] ، فيحتمل أنه أخبر بطهورية الماء قبل اختلاطه بالتمر ويحتمل أنه أخبر بذلك بعد الاختلاط فيسقط الاستدلال بهذا على جواز الوضوء بالنبيذ.
ولم يرض الأصفهاني بما ذكره القرافي وقرر بيان مراد الشافعي من طريق آخر، ووافقه الزركشي. ومراد الشافعي بالعبارة على رأيهما: أن فعل الشارع إذا وقع على وجهين أو أوجه يختلف الحكم باختلافها ولم تفصل الواقعة بل نقلت محتملة فلا عموم للفعل ولا استدلال بتلك الواقعة، ومثلا له بما وقع في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة [فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر عن بلال - رضي الله عنهم - أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة، وأخرجا عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة وإنما دعا في أركانها، وهو في مسلم من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم. انظر صحيح البخاري مع فتح الباري٣/٤٦٣، ٨/١٦ وصحيح مسلم٢/٩٦٦-٩٦٧، ٢/٩٦٨] ، فما فعله في الكعبة من مجموع ما ورد في ذلك يحتمل أنه الصلاة المعهودة ويحتمل أنه غير ذلك فيكون مجملا يسقط به الاستدلال على جواز خصوص الصلاة في الكعبة.
ولا يظهر الفرق بين ما ذكره القرافي وبين ما ذكراه بالنظر إلى الأمثلة المذكورة، لأن المثال الذي ذكراه للقاعدة الاحتمال فيه في دليل الحكم نفسه، إذ الحكم المراد إثباته بما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة هو جواز الصلاة في داخل الكعبة ودليله الواقعة نفسها وهي محتملة للصلاة وغيرها فكان الاحتمال واردا في دليل الحكم نفسه، بخلاف ما يذكر من واقعة غيلان الثقفي فإن الدليل فيه غير محتمل وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما الاحتمال وارد في المحل الذي ورد عليه قوله صلى الله عليه وسلم وهو عقد غيلان الثقفي على نسائه إذ يحتمل أنه عقد عليهن بعقد واحد أو بعقود متتالية على ما ذكره أهل العلم.
لكن الأصفهاني والزركشي أشارا إلى حقيقة الفرق بين ما قرراه وبين ما ذكره القرافي وهو أن الاحتمال المسقط للاستدلال على ما هو مقرر في المذهب الشافعي هو الاحتمال الوارد في فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتمال الذي ينزل الدليل منزلة العموم في المقال ويحسن به الاستدلال هو الاحتمال الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك غير ما ذكره القرافي في تقريره إذ صرح في بيانه لمراد الشافعي - رحمه الله - بالقول المذكور بأنه قد يرد الاحتمال المسقط للاستدلال في كلام الشارع إذا استوت الاحتمالات، وعندهما أن الاحتمال المسقط للاستدلال إنما يرد في فعل الشارع دون كلامه. والله تعالى أعلم.

<<  <   >  >>