للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينفي ثبوتها ... وإن أردت أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل على صحته - وهو ما أراده - فيقال: أتعني بالعقل هنا الغريزة التي فينا أم العلوم التي استفدناها بتلك الغريزة؟ فالأول لم ترده ... لأن تلك الغريزة ليست علما يتصور أن يعارض النقل ... وإن أردت بالعقل الذي هو دليل السمع وأصله المعرفةَ الحاصلة بالعقل فيقال لك: من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلا للسمع ودليلا على صحته فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس كل العلوم العقلية يعلم بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله تعالى أرسله ... فليس جميع المعقولات أصلا للنقل"١.

فالكتاب والسنة أصل الأدلة السمعية والنقلية الموصلة إلى الأحكام الشرعية مطلقا، وأما العقل فإنه وإن كان آلة في معرفة صدق الرسالة فذلك ليس دليلا على إطلاق القول بأنه أصل ثم إطلاق القول بتقديم العقل عند التعارض على الأدلة السمعية النقلية التي أصلها الكتاب والسنة، لأن قدرا فقط من العلوم العقلية هو المستعمل في الاستدلال على صدق الرسالة، وذلك لا يجعل العقل أصلها مطلقا، مع أنه لا يسلم جواز التعارض بينهما أصلا أي بين الدليل النقلي الصحيح الصريح والعقل السليم٢.


١ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية١/٧٨-٩٠.
٢ ودَفعُ هذا التجويز موضوع كتاب درء تعارض النقل والعقل، وأطال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان استحالة التعارض بين العقل السليم والنص الصريح الصحيح.

<<  <   >  >>