٢- أن الخبر إذا جاز أن يكون كذبا حالة الانفراد بنقل الآحاد جاز أن يكون كذلك حالة التواتر باجتماع عدد كثير في نقله، لأن الاجتماع من الانفراد.
والجواب: أن للاجتماع ما ليس للانفراد كما هو مشاهد في المحسوس، فرب شيء ثقيل لا يقدر الواحد على حمله فإذا اجتمع عليه مع غيره يحمله، فلا يقال إن عدم قدرته على الحمل منفردا يلزم منه عدم قدرته على ذلك مع غيره، فقد يدعوه إلى الكذب في حالة الانفراد داع، ولكن يستحيل اتفاق الدواعي على الكذب عند اجتماع عدد التواتر مع الكثرة واختلاف الهمم.
٣- أن الجم الغفير قد يجتمع على الكذب في الأمور المدركة بالاجتهاد كالفلاسفة١ وغيرهم، فكذا في الأمور المدركة بالحس كالمتواتر.
والجواب: أن الاجتهاد مظنة الخطأ بخلاف المدرك بالحس كالخبر المتواتر، فإنه يدرك بالسماع أو المشاهدة.
١ أي علماء الفلسفة، وهي كلمة يونانية ويعرفونها بأنها: "البحث عن طبائع الأشياء وحقائق الموجودات"، أو هي: "استكمال النفس الإنسانية بتصور الأمور والتصديق بالحقائق النظرية والعلمية على قدر الطاقة الإنسانية". انظر الفلسفة في الإسلام للدكتور عرفان عبد الحميد ص٤٢-٤٤، وانظر ما عرف به الجرجاني الفلسفة في التعريفات/١٦٩.