للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

{دَرَجَاتٍ} متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة, فمن ضعيف وقوي وغني وفقير وخادم ومخدوم, وحاكم ومحكوم.

{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} : ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم, ويستخدموهم في مهنهم, ويسخروهم في أشغالهم, حتى يتعايشوا, ويترادفوا, ويصلوا إلى مرافقهم, لا لكمال في الموسع عليه, ولا لنقص في المقتر عليه, ولو فرضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا, فإذا كانوا في تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنية وهو على طرف الثمام١ بهذه الحالة, فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أنفسهم٢, وفي تدبير أمر الدين, وهو أبعد من مناط العيوق, ومن أين لهم البحث عن أمر النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بأمرها.

وفي قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا ... } إلخ ما يزهد٣ في الانكباب على طلب الدنيا, ويعين على التوكل على الله عز وجل والانقطاع إليه جل جلاله.

فاعتبر "نحن قسمنا بينهم" ... تلقه حقا وبالحق نزل٤

{وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} , أي: النبوة وما يتبعها من سعادة الدارين خير مما يجمعونه من حطام الدنيا الدنية, فالعظيم من رزق تلك الرحمة دون الحطام الدنيء الفاني.


١ الثمام: جمع ثمامة وثُمة, وهي شجرة ضعيفة, فهو يقصد هنا أنه مع سهولة هذا الأمر الذي يشابه في ضعفه هذه الشجرة, فإنهم لا يستطيعونه, فكيف بما هو أشد منه وهو أمر النبوة؟!.
٢ في المخطوط "بأنفسهم".
٣ في المطبوع " ما يزيد".
٤ هذا البيت أحد أبيات لامية ابن الوردي, وهي في ديوانه ص ٣٢٨.

<<  <   >  >>