أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب, ففتح به أعينا عميا, وآذانا صما, وقلوبا غلفا, فحصل ببركة نبوته الخير العظيم.
وكان الناس إذ بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم قد حادوا على الصراط المستقيم, وسلكوا طرق الشياطين, فكثر فيهم الفساد والشر, فكانوا أحوج ما يكونون إلى من يدلهم إلى ما أضلوا, وهو دين الله-تعالى- ووحيه.
وهذا إنما حصل بسبب بعدهم عن منهج الله- تعالى- وشرعه, فأكثر ما جاء عن الله-تعالى- قد درس, وما بقي منه لا يعلم صدقه من كذبه, إذ سلك فيه المؤتمنون عليه- وهم الأحبار- مسلك التغيير والتبديل, فاشتبه حقه بباطله.
ولما بعث نبي الله صلى الله عليه وسلم كان غاية همه ومراده عودة الناس إلى الأمر الأول, وهو عبادة الله-تعالى- ونبذ كل ما يعارض ذلك, والقضاء على مآثر الجاهلية, فجد صلى الله عليه وسلم في ذلك واجتهد, حتى ترك الناس على البيضاء ليلها كنهارها, لا يزيغ عنها إلا هالك, وأتم الله- تعالى- به النعمة, وكمّل به الدين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ} ١.
وقد حذر الناس من إحياء سنن الجاهلية, والتشبه بأهلها, أو موافقتهم, في شيء من ذلك, فوقع هذا موقعه من الصحابة- رضي الله عنهم- ومن تبعهم من القرون المفضلة.
ولما بعد الناس من نور النبوة, واجتالتهم الشياطين, فاتبعوا أهواء الذين من قبلهم, فدبت إليهم أنواع من البدع والمحدثات التي لم تكن في أسلافهم حتى استمرأ كثير منهم ذلك, فأنكروا على من أنكر عليهم,
١ المائدة:٣