فهَذِهِ الخَلَائقُ العَظِيمَةُ الَّتِي يَعْلمُهَا المُؤمِنُونَ تُجعَلُ عَلَى هذِهِ الأَصَابعِ الخَمْسَةِ يَومَ القِيَامةِ، الأَرْضُ عَلَى إصْبَعٍ، وَالسَّمَوَاتُ عَلَى إصْبَعٍ، وَالجِبَالُ عَلَى إصْبَعٍ، وَالشَّجرُ عَلَى كَثْرتِهِ عَلَى إصْبَعٍ، وَسائِرُ خَلقِهِ عَلَى إصْبَعٍ.
فِي الرِّوايَةِ الأُخْرَى: «وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ؟ أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ المُتَكَبِّرُونَ؟» اللهُ المُسْتعَانُ.
عَفَا اللهُ عَنكَ، يَقُولُ الحَافِظُ فِي الشَّرحِ: «تَعلُّقُ الصِّفةِ بِمُقْتضَاهَا مِنْ غَيرِ مُماسَّةٍ»؟
هَذَا مَعْناهُ إِنْكارُ اليَدِ، مَا يُثبِتُ اليَدَ عَلَى (الحَقِيقَةِ) (١)؛ وَلِهذَا قَالَ: مِنْ غَيرِ جَارِحةٍ، اللهُ لَهُ يدٌ يَأخُذُ بِهَا وَيُعطِي سُبْحانَهُ تَعَالَى، وَيَحمِلُ بِها وَيَقْبضُ الأَرْضَ، وَيَطوِي السَّمَواتِ بِيَمِينهِ، كُلُّ هَذَا قَبضٌ حَقِيقَةً وَطَيٌّ حَقِيقةً يَلِيقُ بِاللهِ، لَا يُشابِهُ خَلقَهُ فِي شَيءٍ مِنْ صِفَاتِهِ جل وعلا.
وَالصَّحَابةُ رضي الله عنهم مَا اسْتَنكَرُوا هَذَا؛ لِكَمالِ عُقُولِهم، وَكَمالِ إِيمَانِهِم، تلَقَّوْا هذِهِ الصِّفَاتِ بِالقَبُولِ، مَا تَوقَّفُوا فِيهَا، ثمَّ أَتْبَاعُهُم بِإِحْسَانٍ منَ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ تَلقَّوْها بِإِحسَانٍ، وَآمَنُوا بِهَا وَأنَّهَا حَقٌّ وَأنَّهَا صِفَاتٌ تَلِيقُ بِاللهِ لَا يُشَابِهُ فِيهَا خَلقَهُ جل وعلا، لَا فِي اليَدِ، وَلَا فِي الأَصَابِعِ، وَلَا فِي القَدمِ، وَلَا فِي السَّمْعِ، وَلَا فِي البَصرِ، وَلَا فِي الكَلَامِ، وَلَا فِي المَحبَّةِ، وَلَا فِي الرِّضَا، وَلَا فِي الغَضبِ، كُلُّها صِفَاتٌ لَائِقةٌ بِاللهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} [الشورى: ١١].
وَبِها عُرِفَ كَمَالُهُ، وَبِها عُرِفتْ عَظمَتُهُ، وَبِهَذِهِ الصِّفَاتِ عُرِفَ اسْتِحقَاقُهُ لِلْعِبادَةِ، وَأنَّهُ ربُّ العَالَمِينَ، وَأنَّهُ الخَلَّاقُ العَلِيمُ.
(١) زيادة يقتضيها السياق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute