ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلَامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» (١).
وَهذَا دَلِيلٌ عَلَى أنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ منَ اعْتِراضِ النَّاسِ، إِذَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لمْ يَسْلَمْ، فَمَنْ يَسْلَمُ بَعَد ذلِكَ؟! فهُوَ اجْتَهدَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وقَسَّمَها بَيْنهُم الأَرْبعَةِ لِيتَأَلَّفهُم عَلَى الإِسْلامِ؛ لِأنَّ اللهَ جَعلَ لِلمُؤلَّفةِ حقًّا، المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ جَعلَ لهُمْ حَقًّا فِي بَيتِ المَالِ وفِي الزَّكَاةِ.
وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتأَلَّفُ رُؤَسَاءَ العَربِ وَشُيوخَهُم وَكِبارَهُم؛ لِأنَّهُم إِذَا هَداهُمُ اللهُ هَدَى اللهُ بِهِمْ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَإِذَا ضَلَّ الرَّئِيسُ تَبِعَهُ قَومُهُ، فَكانَ يَتَألَّفُ الرُّؤَسَاءَ وَالأَعْيَانَ بِالمَالِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. وَمِنهُم هَؤُلَاءِ الأَرْبعَةِ: «عُيَينَةُ بنُ حِصْنِ بنِ بَدرٍ الفَزَارِيُّ، وَالأَقْرعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَعَلْقمَةُ بنُ عُلَاثَةَ العَامِريُّ، وَزَيدُ الخَيْلِ» رضي الله عنهم، كُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ رُؤسَاءِ وَكِبارِ العَرَبِ فِي نَجْدٍ؛ وَلِهذَا كَانَ يَتَألَّفُهُم فَاسْتَنكَرَ ذلِكَ مَنِ اسْتَنكَرَ مِنْ قُرَيشٍ وَالأَنْصَارِ حَتَّى أَخْبرَهُم وبَيَّنَ لهُمْ صلى الله عليه وسلم أنَّ القَصدَ مِنْ ذلِكَ التَّألِيفُ.
هَكذَا مَا فَعلَ يَومَ حُنَينٍ حِينَ فَعلَ بِالغَنائِمِ مَا فَعلَ مِنْ جِهةِ إِعْطاءِ كَثِيرٍ منَ النَّاسِ عَلَى مَائةٍ منَ الإِبلِ مِنْ غَنَائمَ حُنَينٍ لِيتَألَّفَهُم، وَاسْتَنكَرَ ذلِكَ مَنِ اسْتَنكَرَ؛ بيَّنَ لهُمْ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ يَتأَلَّفُهُم عَلَى الإِسْلامِ؛ لَعلَّهُم يَسْتقِيمُ لهُمْ إِيمَانُهُم وَتَتْبعُهُم أَقْوامُهُم بِالهِدايَةِ.
(١) ورواه مسلم (١٠٦٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute