أنَّ الجنَّةَ قَالَتْ: «فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ» يَعنِي: فُقَراءَهُم، يَعنِي: غَالِبُ مَنْ يَدخُلُها الفُقَراءُ؛ لِأنَّ المَالَ يُطغِي أَهلَهُ إلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦)} [العلق: ٦].
وَالنَّارُ فِيهَا الجَبَّارُونَ وَفِيهَا المُتكبِّرُونَ، الَّذينَ حَملَهُم التَّكبُّرُ وَالتَّعاظُمُ وَالعِنَادُ عَلَى التَّكذِيبِ وَعدَمِ الاسْتِجابَةِ، فَلِهذَا صَارَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِمْ.
وَالجنَّةُ دَارُ المُتَّقِينَ، دَارُ المُؤمِنِينَ، دَارُ أَهْلِ السَّعادَةِ، وإِنْ كَانُوا فُقَراءَ وَإِنْ كَانُوا ضُعَفاءَ، فَالفَقرُ المَالِيُّ لَا قِيمَةَ لَهُ، إنَّمَا الفَقرُ الخَطِيرُ الفَقرُ مِنَ الدِّينِ وَضَعفُ الدِّينِ، هَذَا هُوَ الفَقرُ المُهلِكُ، وَأمَّا فَقرُ المَالِ فَأمْرُهُ سَهلٌ، وَعِلاجُهُ كَثِيرٌ.
وفِي هَذَا الحَدِيثِ وَقَعَ وَهْمٌ مِنْ بَعضِ الرُّوَاةِ فَقَالَ: «إِنَّ النَّارَ يُنْشِئُ اللهُ لهَا أَقْوامًا، لَا تَمتَلِئُ فَيُنشِئُ اللهُ لهَا أَقْوامًا فَيُدخِلهُم النَّارَ». وَهذَا غَلطٌ؛ لِأنَّ النَّارَ دَارُ العَذَابِ، وهُوَ لَا يُعذِّبُ إلَّا مَنِ اسْتحَقَّ العَذَابَ بِعمَلهِ السَّيِّئِ، وَالنَّارُ لَا تَزَالُ تَقُولُ (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) لِسِعتِهَا وَعَظمَتِها وَعُمْقِها، فَإنَّ عُمقَهَا مَسافَة سَبْعينَ خَرِيفًا مِنْ أَعْلاهَا إِلَى أَسْفلِها، سَبْعِينَ عَامًا إِذَا أُلقِيَ فِيهَا شَيءٌ يَمكُثُ سَبْعينَ عَامًا مَا وَصَلَ قَعْرَها، نَسْألُ اللهَ العَافِيةَ.
فَيضَعُ الجَبَّارُ فِيهَا قَدمَهُ ـ أيْ رِجلَهُ ـ فَيَنزَوِي بَعضُهَا إِلَى بَعضٍ فَتَقولُ: «قَطُّ قَطُّ» يَعنِي: حَسبِي حَسْبِي، يَعنِي: امْتَلئْتُ امْتَلئْتُ.
وَأمَّا الجَنَّةَ فَيَبْقَى فِيهَا فَضلٌ، فَيُنشِئُ اللهُ لَهَا أَقْوَامًا لمْ يَعمَلُوا خَيْرًا قطُّ فَيُدخِلُهم الجنَّةَ بِفَضلِ رَحمَتهِ، وهَذَا هُوَ الشَّاهِدُ لِلْبابِ معَ قَولِهِ: «أَنْتِ رَحْمَتِي» وَلَكنَّهُ انْقَلَبَ عَلَى بَعضِ الرُّوَاةِ، فَجعَلهُ تَبعَ النَّارِ، وَليْسَ الأَمرُ كَذلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute